كنا عرفنا عزمي بشارة مثقفاً نقدياً ، ومفكراً قومياً وعروبياً ، وناشطاً سياسياً مشبعاً تاريخه وماضيه بالنضال والعمل الجماهيري والمعارك السياسية والفكرية ، حيث ساهم وشارك في تأسيس لجنة الطلاب العرب الثانويين ، وقيادة الحركة الطلابية الفلسطينية في الجامعات الاسرائيلية من خلال انتمائه للحزب الشيوعي الاسرائيلي ، وبعد انفصاله عنه عمل على تأسيس حركة المساواة ثم حزب التجمع الوطني الديمقراطي بمشاركة عدد من المثقفين والناشطين في حركة ابناء البلد وبقايا "الحركة التقدمية " ، واصبح- فيما بعد- عضواً في الكنيست لثلاث دورات متتالية ، الى أن فرّ من الوطن بعد ادانته في المحاكم الاسرائيلية بتهم مختلفة ، فاستقر في قطر وعاصمتها ، حيث يقوم بدور المحلل السياسي والمنظر الفكري والناقد للحراك السياسي والشعبي في الوطن العربي عبر فضائية "الجزيرة" ، التي ظهرت حقيقتها كبوق اعلامي مشبوه في خدمة مشاريع التآمر والتفرقة والتجزئة والتشتت ، وزيادة التطرف الديني والفتن الطائفية والعرقية والمذهبية في الاقطار العربية .
لكن هذا المثقف " النقدي" و"العضوي" صاحب المؤلفات الفكرية والاعمال الأدبية والمنجزات الفلسفية المعرفية ، الذي طالما قدم للقراء المداخلات والمناظرات السياسية والفكرية والحوارية العميقة ، تم تدجينه ، فباع نفسه وخسرها ، كغيره من المثقفين المحسوبين على تيارات العلمانية واليسار والقومية والعروبة ، وخان مبدأه وأفكاره ، وانحرف عن خطه الفكري القومي العلماني وغير قناعاته الايديولوجية ، بعد أن ذاع صيته ، وسطعت نجوميته، واعتُبر من المفكرين والمثقفين المرموقين ، الذين تؤثر مواقفهم وكتاباتهم تأثيراً على شرائح وفئات واسعة في المجتمع القومي ، وللاسف الشديد سقط في المستنقع القطري القذر ، وغدا واحداً من المثقفين المنحرفين والمنزلقين المدجنين في بلاط السلاطين .
لقد كشفت الأزمة السورية القناع عن وجه عزمي بشارة ، وبدا عارياً منذ خروجه من الوطن ، واحتضانه من قبل مشيخة قطر وامرائها ، شخصاً انتهازياً نرجسياً فقد البوصلة ، وشخصية اشكالية ملتبسة تجيد التلون والقدرة على التكيف ، والجمع بين التناقضات والتقلبات والالتباسات ، لم تخل مواقفه وطروحاته من غموض وتناقض وغمغمة ، حتى اصبح مثقف المرحلة المهزومة ، وأحد المنظرين في جوقات التطبيل والتحريض على النظام السوري ، وضد سورية العروبة ، الصمود والمواجهة والرفض ، متناسياً أيام العز والرفاهية في فنادقها الفخمة وبين رحابها واحضانها ، التي فتحتها له وللمقربين من حزبه ..!
الغريب والعجيب ان يلتقي ويتوافق رأي وطرح عزمي بشارة العلماني القومي مع رؤى ومواقف شيخ الفتن والضلالة ومفتي "الناتو" يوسف القرضاوي من الازمة السورية والمشهد المصري الحالي ، فما الذي يجمعهما ؟ أم انهما وجهان لعملة واحد..؟!.
ان عزمي بشارة كالقرضاوي يسخر فن السياسة ، الذي يتقنه جيداً ، لخدمة الاهداف الاستعمارية المشبوهة والمؤامرة ضد سورية ونظامها الممانع . وكان قد كتب في صفحته على الفيسبوك ابان معركة القصير ، التي انتصر فيها الجيش السوري حامي حمى الوطن ، والمدافع ببسالة عن الشعب السوري البطل الملتف حول قيادته الوطنية ، وعن مستقبله ، قائلاً : " ان النظام السياسي مستعد ان يفعل أي شيء ليبقى في الحكم ، مذابح طائفية ، تعذيب بالجملة في السجون ، اغتصاب نساء، قتل اطفال ، قصف المدنيين من الجو ، الفبركة والكذب الاعلامي لتشويه الخصوم ويستخدم في ذلك منحرفين ومرضى ومشوهين من كافة الانواع ، الاستخدام البذيء والمقرف لقضايا عادلة بشكل اداتي لهدف واحد هو البقاء في الحكم ، الاستعداد للخيانة والغدر ، الاستعداد للعب دور مكافحة الارهاب في العلاقة مع الغرب ، وكل موبقة أخرى تخطر بالبال " ، مضيفاً " انه نظام ، بل مركز عصابات من المجرمين ".. فهل يختلف بشارة مع ما قاله القرضاوي ؟ بالتأكيد لا .
اما بخصوص المشهد المصري فيرى بشارة ان ما جرى وحصل في مصر هو انقلاب وافشال للعملية الديمقراطية برمتها ، واصفاً ذلك بالخطيئة ، ومنتقداً اقصاء جماعة الاخوان المسلمين ووضع اعضائها في السجون . وفي مؤتمر مركز الابحاث والدراسات العربية ، الذي انعقد مؤخراً في الاردن قال : " في مصر كان هناك انقلاب ومؤامرة ضد مرسي ، وهذا الانقلاب تم بعلم اسرائيل وامريكا ، وحركة تمرد هي صنيع الاستخبارات المصرية وتم زج بعض شباب الثورة بها ..! ". ولا شك ان هذه الأقوال نسخة طبق الأصل لاقوال القرضاوي وجماعة الاخوان المسلمين ..!
لقد سبق وعرى الكاتب والمفكر الفلسطيني عادل سمارة في مقالة مطولة له نشرت قبل فترة من الزمن ، عزمي بشارة ، مشيراً فيها الى انه تاجر بالقومية ، وعمل على شراء ذمم المثقفين العرب بأموال قطرية واوامر موسادية ، واتخذ من المنامة رأس حربة لتخريب وتشويه الوعي السياسي العربي ، متسائلاً : كيف يمكن ان تنجز ابحاث جادة وعلمية من خلال قطر كإمارة لم تعرف الأحزاب ولا البرلمان ولا أية انتخابات ، ولا حقوق للمراة فيها ومعادية للقومية العربية وتشكل قاعدة امريكية ووهابية تشن خرباً تدميرية ضد سورية آخر معقل قومي .؟!
ما كنا نريد لعزمي بشارة ان ينحرف وينزلق فكرياً ويسقط في مستنقع مشيخة قطر ووحل "الجزيرة" والتلوث بالمال السياسي النفطي القطري والخليجي المسيطر والمهيمن على الاجندات السياسية والاجتماعية والثقافية في العالم العربي ، ولكن ..!!
إننا نقولها بكل ثقة وصراحة متناهية ان سورية الممانعة والمقاومة ، ومصر عبد الناصر وعبد الفتاح السيسي ، هما الأجدر بالنصر ، وقادرتان دوماً بصمودهما وبسالة جيشهما على دحر المؤامرة ، حتى لو كانت مدججة باعتى فتاوى القتل والارهاب وتنظيرات بشارة ومن لف لفهما من دعاة ووعاظ ومفكرين ومثقفين عرب باعوا انفسهم مقابل حفنة من ريالات ودولارات نفطية وخليجية وقطرية واماراتية . وان نهاية الأزمة في هذين القطرين هو نصر للشعبين السوري والمصري ، وهزيمة مدوية لكل التكفيريين والوهابيين الظلاميين ، اعداء الوطن والامة والاسلام ، وان جحافل المشيخة القطرية الحمدية القرضاوية البشارية الى جهنم وبئس المصير .