خطابات وتصريحات، إخفاقات وآلام ومعاناة، تلك هي حال الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة التي تسكن أدراج الأمم المتحدة منذ ستة عقود ونصف، تنام على وهج فضيحة المجتمع الدولي الذي شرعن جريمة العصر "إسرائيل"، وتستيقظ كل خريف على منابر المنظمة الدولية ساعات قليلة، ليس من أجل إيجاد حل عادل لها، بل من أجل حقنها من جديد بإبرة مخدر كي تبقى فلسطين الأرض والمقدسات جثة هامدة ينهش فيها الاحتلال والاستيطان العنصري، وتتاجر بقضية شعبها عواصم البغي السياسي، تعقد باسمه الصفقات، بينما ترتكب جريمة العصر بحق الإنسان الفلسطيني الذي استعصى على الانكسار، وأثبت أنه أقوى من أنياب الغدر، وأصلب من حجارة القدس العتيقة.
ونحن هنا نسأل لماذا التمسك بنهج المفاوضات في ظل انحياز الادارة الامريكية لحكومة الاحتلال ، لان هناك عشرات الأسئلة التي تطرح نفسها عن موقف واشنطن وسياستها في المنطقة، ومع أن الإجابة معروفة ولا تحتاج دليلا أو إثباتا أو اجتهادا أو تحليلا، إلا أن الذي لا تريده حكومة الاحتلال ولا حليفتها وحامية إجرامها واشنطن الاعتراف به أنه لم يعد لدى السلطة الفلسطينية ما تتنازل عنه للاحتلال الإسرائيلي، وما لديها إلا الوقت الذي يستغله الاحتلال في الاستيطان وفي تهويد القدس والاستعجال في المخطط الشيطاني للمسجد الأقصى المبارك..
ان التحركات الملموسة على الأرض تؤكد أن حكومة الاحتلال ماضية قدما وعلى نحو متسارع، لتنفيذ مخططاتها التهويدية والاستيطانية، وما يصدر قادتهاا، وما يطرح في أروقة المفاوضات، يؤكد أن لا واشنطن قادرة على تغيير سياسة حكومة الاحتلال، ولا المفاوضات يمكن أن تحقق أي اختراق يذكر، ومعظم الدول العربية باتت مشغولة بأوضاعها الداخلية غير المستقرة، والجامعة العربية في حال انحسار غير مسبوق لدورها وفعالية ومصداقية هذا الدور، وكلها أمور تؤكد أن بيئة التفاوض فاشلة.
ان مسوغات اندفاع السلطة الفلسطينية نحو المفاوضات، غير مبرر ، بل العكس هو الصحيح ، أن الوقت يعمل لمصلحة المشروع الصهيوني، وان الدول العربية تعطي أولوية للعلاقة مع واشنطن وباتت تتأفف من أعباء القضية الفلسطينية، هذا يعني أن الكارثة واقعة فعلا، أي توفير كل الظروف المناسبة لاندلاع انتفاضة فلسطينية شعبية ثالثة، وهذا يتطلب توافر شروط الوحدة الفلسطينية، وانهاء حالة الانقسام، والعمل على رسم استراتيجية وطنية باعتبار ذلك هي البديل عن المفاوضات ، لان ما نراه يجري ميدانيا على الارض من مواجهات مع الاحتلال ومشاريع الاستيطان والتهويد والضم التي تجتاح معظم الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك المسجد الأقصى ومناطق الأغوار والنقب ، وضد جدران العزل والفصل العنصري يشكل حالة نضالية يجب استثمارها بشكل ايجابي .
ان الاستمرار في مسار المفوضات التي لا يستند إلى أية مرجعيات، لا يقدم أي جديد مقنع للفلسطينيين، بدءا بادَعاء الحرص على عدم تحمَل المسؤولية عن انهيار العملية السياسية ، من خلال إبقاء الفلسطينيين في حالة انتظار الآتي من الأحلام والأوهام..
وفي ظل هذه الظروف، يجب التحذير من تمرير مشروع امريكي بعد تسعة اشهر من المفاوضات للقبول بدولة فلسطينية وبحدود مؤقتة، لهذا يجب التوقف عن السير على ذات النهج، هذا النهج الذي لن يؤدي إلا إلى تآكل المشروع الوطني الفلسطيني، وإلى إحداث الانقسام الشعبي الفلسطيني، الأمر الذي يدفعنا للسؤال وبشكل قوي، حول السبب الكامن وراء كل هذا الإصرار من قبل الفريق المفاوض على المفاوضات بدلا من تتبنى الموقف الوطني العام (الشعبي والفصائلي) الذي يطالب بوقف المفاوضات وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
إن استمرار موقف الفريق المفاوض في تحديها للإرادة الشعبية، يضع كافة الفئات الشعبية أمام مسؤوليتها الوطنية بترجمة موقفها الرافض لهذه المفاوضات من خلال حركة شعبية واسعة تتجاوز هذا الواقع وتؤسس لمستقبل فاعل ومؤثر.
وامام كل ذلك نقول ان على الفصائل والقوى الفلسطينية تصويب المسار السياسي من خلال استنهاض طاقات الشعب الفلسطيني، خاصة مع ما نشهده من حراك شعبي عربي وليس ربيع عربي، لم يجلب للجماهير الشعبية العربية سوى مزيد من الاستبداد والاستغلال والتخلف ، لإعادة تشكيل بلدان النظام العربي في إطار أشكال جديدة من التبعية للسياسات الأمريكية والنظام الرأسمالي العالمي من خلال القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية المؤثرة، وإنهاكها في صراعات أٌليمة تحول دون الدفاع عن حقوقها ووجودها وتجعلها تنشد الأمان في أحضان السياسة الأمريكية الصهيونية حتى تضمن مصالحهما النفطية فى هذا المنطقة التى تمدها بالطاقة والحياة .
علينا أن نستعد لتحمل تبعاتها بل وأن يكون لنا دور في توجيه الأحداث بما يخدم المصلحة الوطنية والقومية.
ان تبني سياسة المراهنة على حلول جزئية للقضية الفلسطينية على حساب الحلول الاستراتيجية ، تتطلب وقفة جادة تنبع من ايمان مطلق بالحقوق الوطنية و عدالتها و شرعيتها و قدرتها على مواجهة التحديات و الاخطار المحدقة بالنضال الوطني وعدم ربطها بالتغيرات الدراماتيكية التي تعصف بالقضية الفلسطينية والمنطقة، لان ما يجري في المنطقة من تحولات قد تدفع بالطرف الفلسطيني لتغيير سياساته و تكتيكاته حيال العديد من المسائل لكنها لا تلقي مزيدا من الضبابية على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني ،حيث ادت المفاوضات كما اسلفنا الى التأثير السلبي على مكانة الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات ، وكان من الاجدر والاصوب التمسك بالثوابت الوطنية وبخيار المقاومة بكافة اشكالها وعدم التراجع عنها كسبيل وحيد لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة .
ختاما : لا بد من القول انه بات المطلوب من الجميع بذل جهودا استثنائية لمعالجة هذا الواقع وآثاره السلبية الضارة ، مما يؤسس لقدرة الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية على مواصلة مسيرتها الكفاحية بكل ابعادها واشكالها لتحقيق تطلعاتها واهدافها المشروعة في الحرية و الاستقلال الوطني ، مما يستدعي الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية والتمسك بكافة اشكال النضال كوسيلة وحيدة لمواجهة اخطار التبديد التي تهدد الانجازات والحقوق الوطنية الغير قابلة للتصرف.
كاتب سياسي