من بين خلاف شرس على المصطلحات "انقلاب" أم "ثورة تصحيحية"، أفاق الفلسطينيون في قطاع غزة على واقعٍ جديد، أكثر فصوله مباشرة تحديد سقف حرية حركتهم عبر معبر رفح من القطاع وإليه استناداً إلى تقارير طبية أو بعث دراسية أو جوازات سفر أجنبية، وفيما عدا ذلك فالسجن في مربع القطاع هو المصير.
إلى تجدد دعوات شعبية وحزبية وحكومية بضرورة تطبيق اتفاقات المصالحة الفلسطينية، وإنهاء الانقسام، جرت على لسان رئيس حكومة غزة إسماعيل هنية في خطاب مطول أثار زوبعة من التصفيق والتنديد على حد سواء، وعلى ألسن نساء ورجال استمروا في اعتصامهم الأسبوعي ضد الانقسام أمام باحة المجلس التشريعي بمدينة غزة بدعوة من الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والأطر والمراكز النسوية، علاوة على بيانات صحافية لقوى وطنية أخرى لا تفتأ تؤكد وتدعو وتضغط في بضع ورق من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، من دون أن تلقى كل هذه الدعوات أي سبيل.
ومن المنفذ، إلى وحدة الحال، إلى اشتعال الجبهة مع الاحتلال بالكشف عن نفق أسطوري مهيب الشكل والمضمون، خطير الدالات والمآلات، عاد التلويح بحرب جديدة على القطاع من قبل آلة احتلالية لا ترحم، جربها أهل غزة مراراً فأوقعت الشهداء والجرحى، كما الرعب في نفوس الكبار والصغار، لكنها لم تنل من إيمانهم بأن العدو واحد، ولا مناص إلا المقاومة، ولا نصر إلا بالوحدة.
وعلى رغم توقع البعض من منطلق "الشماتة" بالغريم، أو من باب التحليل السياسي الرصين أن تقضي أي حرب قادمة على حكم حركة "حماس" في قطاع غزة، في إطار سيناريوهات لتصفية مشروع الإسلام السياسي في المنطقة، إلا أن أحداً عاقلاً لا يتمناها، لأنه يدرك أن الموت الصهيوني لا يفرق بين الفلسطينيين، فهم أبناء بيت واحد في النهاية.
كما أن الإحساس بأن هناك من ينحتون من حيث ندري أو لا ندري طريقاً لضرب العدو في إطار الإعداد والاستعداد بث شعوراً بالفخر والأمل في نفوسٍ بدأ يأكل منها اليأس والإحباط أجمل ما فيها...وعادت مخيلة الكثير منا للحلم فيما لو كان هؤلاء النحاتون- المقاومون في زمن أجمل..وحدة..مقاومة..وتحرير.
لم يطل الحلم الجميل، رغم زيادة عدد ساعات الظلام في غزة، بعد توقف محطة توليد الكهرباء عن العمل تماماً. فالنوم على وقع نغمات الصمت الذي خلفه غياب الوقود وسكون محركات توليد الكهرباء المنزلية لم يكن عادة يتقنها الفلسطينيون في غزة بعد أعوام من البطالة المقنعة للموظفين وضعفها للمتعطلين عن العمل.
وحتى البحث عن سبب الأزمة لم يعد يثير اهتمام الغزيين، فكل ما يبحثون عنه هو الحل؟ فيتعلقون بتصريح لرئيس ظنوا لفترة طويلة أنهم خارج حساباته بأنه ماضٍ في حل الأزمة، ويتوجسون خيفة من تصريح آخر لناطق باسم سلطة قطع الطاقة بأن مصير ساعات الإنارة الست ربما لن يعود متيسراً في قادم الأيام.
من بين صمت العتمة، تعين حكومة غزة الشابة إسراء المدلل، ناطقةً باسمها باللغة الانجليزية، لتخترق بذلك حاجز الثقة بالمرأة الشابة، متجاوزةً بذلك أكثر الأحزاب ادعاءً بتقدميتها وتحررها إزاء المرأة ودورها.
وتعود قرابين قُدمت على محراب الوطن إلى شمس الحرية بعد عقود من الظلام والإهمال، كتباشير وحيدة من استئناف المفاوضات، ومن بين أحضان المحضونين والحاضنين، اشرأبت المفاوضات في عنق زجاجة أبت أن تفارقها منذ نحو عقد ونصف من الزمن لتعود إلى عنقها، فيستقيل رئيس لجنتها الفلسطينية د. صائب عريقات من غير أن يتنكر لنهجها، ثم يعود وتعود لجنته لتأكيد استمرارها في المفاوضات من أجل خاطر "كيري" والرباعية.
ويتكاثر الاستيطان، وتُقضم الأرض وتتشوه معالمها، وتقطَّع أوصالها، ويصغر الحلم يوماً بعد يوم، وتبعد غزة عن باقي جسدها أكثر وأكثر.
ولتأكيد خطين لم يلتقيان، احتفت قوى مقاومة، ادعت الانتصار في عدوان دك غزة ومن عليها، لأنها تقدمت خطوة مفاجئة في مسلسل الرعب الذي تتفوق به دولة الاحتلال الإسرائيلي حتى الآن، احتفت بتنظيم عروض عسكرية كان لها أول وطال آخرها.
مرة أخرى، يعود الحلم، لو أن واقعنا أفضل، لو أن الخطوط المختلفة تعود لتصب في نهر العودة لفلسطين، لو أن الهدف فلسطين لا الفصيل، لو أن الحلم يخرج من خرم الإبرة.
وأم الفقراء تذيع تصريح: انطلاقتها في زمن تيه الوسائل والأهداف في الكتيبة الخضراء.
يتجدد الحلم ويكبر، لو أن الكتيبة تتوشح بالأحمر والأخضر والأبيض والأسود، لو أنها تحتشد بصناع التغيير..ليس لأن الجبهة الشعبية في حالها الراهن على حق في زمن الظلال، بل لأن فلسطين تنشد البديل.
كتبت: سامية الزبيدي