إن كان من حق الإيرانيين الحفاظ والدفاع عن مصالحهم وقد أبدوا قدرة في ذلك ، وبالتالي من حقهم إبداء الفرحة للاتفاق المُوَقع مع الغرب ، إلا أنه في نفس الوقت على العرب وخصوصا الخليجيين التخوف من التقارب الإيراني مع الغرب ، فقد يمهد الاتفاق الطريق لانتقال فوضى (الربيع العربي) إلى دول الخليج العربي.
لأن السياسات الدولية تقوم على المصالح وليس على الشعارات والايدولوجيا ، الدينية منها والدنيوية ، التي هي مجرد أدوات تستثير العواطف والانفعالات وتوظفها الدول والجماعات لتعبئة الأنصار من حولها وتشويه صورة عدوها ،وليست هدفا بحد ذاته بقدر ما تخفي أهدافا، لذا فقد جمعت المصالح بين الغرب وخصوصا واشنطن (الشيطان الأكبر) مع إيران (راعية الإرهاب الدولي) على طاولة المفاوضات يوم الأحد الماضي 24 نوفمبر لتسوية الخلافات التي استمرت لحوالي 34 سنة . ولأن كل معاهدة أو اتفاقية دولية هي محصلة تفاهمات على مصالح إما ثنائية أو جماعية، ولأن السياسة الدولية وخصوصا عند الغرب تقوم على مبدأ (لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة) ،فالاتفاق الأخير بين إيران والغرب يندرج في هذا السياق حيث حقق مصالح لأطرافه بعضها تم الإعلان عنها وبعضها خفية.
السؤال الذي يفرض نفسه : إذا كان الموقف المعادي لإيران من طرف الغرب وخصوصا واشنطن والذي تجسد في فرض العقوبات أُسس على مصالح غربية – وأمن إسرائيل ضمنها- آنذاك، فما هي المصلحة الآن وراء التحول في الموقف الغربي وخصوصا الأمريكي ؟ مع أن خطة خارطة الطريق التي طرحتها إيران للتعامل مع ملفها النووي لا تتضمن تغيرات جوهرية في الموقف الإيراني ،كما تزعم، وحتى مع افتراض أن الاتفاق يمهد لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي ،فما هو الثمن الذي ستأخذه إيران مقابل ذلك؟ وهل الثمن فقط رفع العقوبات عنها ؟ أم أن في الأفق معادلة إقليمية جديدة غير منقطعة الصلة بـ (الربيع العربي) وتداعياته ؟.
مع أن العرب ليسوا طرفا مباشرا في الاتفاق إلاغيرهم.أعتقد أنهم في قلب الاتفاق بطريقة غير مباشرة بل أنهم مستهدفون من الاتفاق أكثر من غيرهم . وهنا يجب أن نتذكر أن إيران ما زالت تحتل الجزر الثلاثة في الإمارات العربية وما زالت متمسكة بأطماعها في البحرين ، وما زالت ذات نفوذ في العراق ، وأن مجالها القومي الحيوي ليس في لبنان وفلسطين بل في الخليج العربي والذي ما زالت تسميه بالخليج الفارسي ، وعندما كانت إيران تتحدث عن تدمير إسرائيل وعن فلسطين والقدس كانت عيناها على الخليج العربي بالأساس .
دون تجاهل الدعم الإيراني للفلسطينيين وقطع نظام الخميني للعلاقة مع إسرائيل،إلا أنها عندما كانت تتحدث عند عدم شرعية إسرائيل وتطالب بإزالتها وتربط بين امتلاكها السلاح النووي وعدائها المعلن لإسرائيل والغرب ، لم تكن في الحقيقية تستهدف لا الغرب الذي تحالفت معه لتدمير العراق ، ولا تستهدف إسرائيل من حيث وجودها كدولة ، بل كان هدف إيران وعين إيران على الخليج ، بمعنى أنها كانت توظف ورقة الصراع العربي الإسرائيلي لتوطيد حضورها في الخليج والمساومة مع الغرب حتى يعترف بمصالحهم أو ما تسميه إيران بحقوقها التاريخية في الخليج العربي .
ساذج من كان يعتقد أن إيران تريد امتلاك السلاح النووي لتدمير إسرائيل ،فالدول لا تمتلك السلاح النووي أو تستعمله لتدمير دولة أخرى في ظل توازن الرعب ، بل توظفه للحفاظ على مصالحها وسيادتها ، وسذاجة أكبر ما يقوله البعض إنه نووي إسلامي في مواجهة النووي الإسرائيلي ،لأنه ليس المهم إن كانت الدولة التي تملك السلاح النووي أو التقليدي مسلمة أو غير مسلمة بل المهم وجود إرادة باستعماله لخدمة المسلمين وقضية فلسطين على رأسها،فباكستان دولة إسلامية وسنية وتملك سلاحا نوويا فماذا استفاد منه المسلمون والقدس ،بل ما فائدته للباكستانيين أنفسهم حيث بلادهم تشهد حربا أهلية .
قد يقول قائل كيف تتحدث عن تحالف أو تنسيق بين إيران والغرب وقد كان بينهم عداء كبير قبل توقيع الاتفاق الأخير؟. صحيح أن التوتر في العلاقة بين الطرفين وصل لحافة الهاوية ولكن في السياسة الخلافات لا تعني القطيعة نهائيا ولا تعني عدم وجود هوامش من التعاون والتنسيق عبر قنوات خفية. بقراءة متعمقة لتلك الفترة سنرى أن كل الأطراف حققت مصالح إستراتيجية ما عدا العرب بل كانت إيران والغرب يحققون مصالحهم على حساب المشروع القومي العربي ولو كأمل وطموح، وعلى حساب الأمة العربية . بالرجوع إلى المرحلة السابقة نجد تقاسم وتوزيع مصالح بين إسرائيل والغرب وإيران على حساب العرب ، إيران وواشنطن تحالفا ضمنا على تدمير عدوهما المشترك العراق مما أدى لتقاسم مصالح ونفوذ بين الطرفين في العراق ، وبإضعاف العراق مدت إيران نفوذها الشيعي في المنطقة ، وتحت شعار معاداة إسرائيل والغرب كسبت إيران شعبية كبيرة في العالم العربي الذي يفتقر لزعيم قومي . والغرب خصوصا واشنطن وتحت فزاعة الخطر الإيراني حافظت على بقاء قواعدها في الخليج بعد أن انتهي مبرر وجودها بعد سقوط نظام صدام ، وعقدت صفقات أسلحة بمئات ملايير الدولارات لدول الخليج ووقعت عشرات الاتفاقات الأمنية الخ ، حتى إسرائيل استفادت من خلال الحصول على صفقة أسلحة من واشنطن ودعم مالي من الغرب تحت ذريعة الخطر النووي الإيراني، بالإضافة إلى أن مشكلة النووي الإيراني المفتعلة غطت على القضية الفلسطينية وعلى الممارسات الاستيطانية والعدوانية الصهيونية في فلسطين .
سيكون للاتفاق تداعيات على الملف السوري والفلسطيني – علاقة إيران بحركة حماس والجهاد الإسلامي- وكذلك على مصر . ومن حق دول الخليج العربي القلق من التقارب الإيراني مع الغرب ثم توقيع الاتفاق الأخير بينهم، لأنه مع كل ما يقال من أن موضوع الاتفاق هو النووي الإيراني إلا أنه يجب الحذر أن يؤدي التقارب بين الطرفين إلى نقل الفوضى التي خلقها (الربيع العربي) إلى دول الخليج . والتقارب السعودي الإماراتي مع مصر بعد إزاحة الرئيس ألإخواني من الرئاسة كان مؤشرا على وعي وإدراك هذه الدول الثلاث بالأهداف الحقيقية لواشنطن من خلال دعمها للإخوان المسلمين. مصر أدركت أنها مستهدفة لأنها تصدت للسياسة الأمريكية ولأنها الدولة الوحيدة الباقية – بعد تدمير العراق وسوريا – المؤهلة لاستنهاض المشروع القومي العربي ليقف في وجه المشاريع المهددة للأمة العربية: المشروع الإيراني الفارسي والمشروع التركي والمشروع الإسرائيلي ومشروع (الفوضى الخلاقة) الأمريكية ، ودول الخليج أدركت أن المرحلة الثانية من المخطط الأمريكي هو نقل الفوضى إلى دول الخليج ذات الاحتياطات المالية الكبيرة والتي يمكنها بالتنسيق مع مصر إفشال السياسة الأمريكية في المنطقة أو على الأقل الحفاظ على كياناتها الوطنية .
وخلاصة القول أنه بعد نجاح التحالف بين الغرب والإسلام السياسي مجسدا في الإخوان في اندلاع تحركات واسعة أوجدت الفوضى في دول ما يسمى بالربيع العربي ، يبدو أن الغرب وبعد نجاح التجربة يريد نقلها لدول الخليج العربي التي نجت من نيران (الربيع العربي) ، فكان التقارب ثم الاتفاق بين الغرب وعلى رأسه واشنطن مع إيران على تسوية الخلافات القائمة بين الطرفين ودخول مرحلة جديدة ، وهي مرحلة ستكون على حساب امن واستقرار دول الخليج العربي لحساب إيران والغرب معا . في خلفية هذه التفاهمات بين الغرب والإسلام السياسي المعتدل العداء المشترك للطرفين للعروبة وللمشروع القومي التحرري العربي ، وهي حالة عداء أفرزت تحالفات عبر التاريخ ما بين (الإسلاميون) والغرب لمواجهة القوميين والتقدميين منذ زمن جمال عبد الناصر إلى اليوم . كل الأطراف ستستفيد من الاتفاق الأخير إلا العرب فسيدفعون ثمن هذا الاتفاق ،وقد لا نلوم الإيرانيين أو الغرب لأنهم يسعون لتحقيق مصالحهم القومية في المنطقة ،فإيران تعمل على تحقيق مشروعها الفارسي الشيعي وهي لا تلام على ذلك ،وتركيا تعمل على تحقيق وتقدم مشروعها التركي أو ما يسميه البعض بالعثمانية الجديدة وهذا من حقهم ،والغرب يسعى لديمومة مصالحه في المنطقة ولا أحد يلومها على ذلك ، المُغيبون عن المتغيرات هم العرب كأمة وكمشروع قومي، والدولة الوطنية العربية كإمكانية لتكون قاعدة منطلق للمشروع القومي العربي وخصوصا الدول ذات الوزن البشري والحضاري أو ذات القدرات المادية .
إبراهيم أبراش
26/11/2013