يكثر الندب والبكاء على القدس.... والكل يدعي ويقول بانه العنوان والمرجعية والأب لهذه المدينة....وكل يوم نسمع عن المناشدات والمطالبات والرسائل والبيانات التي يوجهها الفلسطينيون والمقدسيون للعرب والمسلمين،بضرورة دعم القدس والمقدسيين،حيث يتعرض بشرها وحجرها وشجرها "للذبح" من الوريد الى الوريد على يد الإحتلال،الممعن في تهويدها واسرلتها وممارسة سياسة التطهير العرقي بحق سكانها، والفلسطينيون يقومون بدعوة العرب والمسلمين ومناشدتهم،التزاما بروابط الدم والدين والتاريخ والجغرافيا والوطن والقومية....الخ،ولكن كل المطالبات والمناشدات تلك،تذهب ادراج الرياح،حتى ان العرب والمسلمين يوجهون اللوم والإتهام للفلسطينيين،بانهم هم من يبيعون ارضهم وممتلكاتهم لليهود،وهم يسرقون اموال دعمهم بدل إيصالها الى العناوين الصحيحة،في تضخيم وتهويل للأمور،سواء عن طبيعة وحجم الدعم العربي والإسلامي،او حجم الفساد والسرقات عند من ياتي الدعم من خلالهم. وبالمقابل الكثير من رجال الاعمال الفلسطينيين شكلوا مؤسسات وجمعيات وشركات وعقدوا مؤتمرات اقتصادية،في إطار السعي للإستثمار في المدينة وتنشيط قطاعاتها الإقتصادية والخدماتية المختلفة،وبما يعزز من صمود المقدسيين وبقائهم وصمودهم في قدسهم وعلى ارضهم....ولكن كل تلك المسميات والمرجعيات والعناوين واللجان والمؤسسات والشركات،لم تخطو خطوة واحدة عملية على صعيد إقامة صندوق او مؤسسة حقيقية قادرة على توفير الدعم للقدس والمقدسيين،بل كان هناك هواجس وشكوك كبيرة عند المقدسيين،بأن تلك الشركات والمؤسسات،تستهدف تحقيق اهداف واجندات خاصة بها،بحيث تكون العنوان والمرجع لأي دعم عربي او إسلامي او دولي ياتي للقدس،لكي تستاثر به وتوجه تجاه خدمة مصالحها واهدافها،وليس حباً في القدس ولا رغبة بخدمة سكانها وأهلها.
واليوم بعد كل ما يحل بالقدس وما يمارس بحقها من سياسة تطهير عرقي وتفريغ لها من سكانها العرب الفلسطينيين،من قبل دولة الإحتلال عبر سلسلة طويلة من الإجراءات والممارسات القمعية والإذلالية والتي تمس عصب حياتهم اليومية وتفاصيلها، فانه بات من الملح والضروري،ان يكون هناك من يعلق الجرس،ويبادر للعمل من اجل تشكيل صندوق فلسطيني لدعم سكان القدس،يشارك به رجال الأعمال والقطاع الخاص والمؤسسات المالية (بنوك وقطاع مصرفي) والسلطة،على ان يدار من قبل هيئة مستقلة ذات كفاءة ومصداقية وشفافية،ومن ثم يجري التوجه لرجال الأعمال الفلسطينيين في الخارج للمساهمة في هذا الصندوق،وهناك ممن يمتلكون المال في هذا الوطن،ويريدون ان يسجل لهم التاريخ دورا ومكانة في حفظ عروبة هذه المدينة وحمايتها من خطر الأسرلة والتهويد،عليهم ان يعلقوا الجرس،وان لا يلتفتوا الى كل ما هو قائم،فالقائم لا يسمن ولا يغني من جوع...نريد مئات "المسكوفتشيين" من اجل القدس من ابناء فلسطين،فالعرب والمسلمين يأتي دورهم لاحقا....ولا نريد ان نستمر في ترديد نفس الإسطوانة المشروخة،أين انتم ايها العرب والمسلمين من القدس واقصاها ..؟،فالعرب والمسلمين حدود عطائهم ومساعدتهم في هذا الجانب محدود ومرتبط باجندات واهداف غير فلسطينية او حتى عربية،وهم في الكثير من الأحيان وبسبب فقدانهم إرادتهم السياسية،بحاجة الى إذن مشغليهم للموافقة على تقديم مثل هذا الدعم.
ولذلك الآن خطوة عملية خير من دسته برامج وشعارات وتنظيرات فارغة،فالقدس مشبعة بالدراسات وحول مختلف القطاعات،والطفل قبل الشيخ والصغير قبل الكبير،يعرف ما تحتاجه القدس،فليتقدم الصفوف من يريد ان يكون فارسها وعنوانها،وسيجد كل اهل القدس بمختلف شرائحهم وانتمائاتهم وقطاعاتهم ملتفين حوله،إذا خلصت وصدقت النوايا.
والقدس ما تريده ايضاً خارطة طريق لكيفية الخروج من ازمتها،ووضع مقاربات وحلول عملية لها،وهي زاخرة بالكفاءات الأكاديمية والسياسية والوطنية والجماهيرية والمجتمعية والتربوية،القادرة على صوغ خارطة طريق للمدينة يتوافق عليها الجميع،فلماذا لا تكون هناك مبادرة من اجل عقد عدة لقاءات مقدسية؟؟،تخرج بمجموعة من التوصيات والمقترحات العملية،على ان يجري وضع اليات وخطط لتطبيقها وتنفيذها، بدون ان "نجتر" نفس المفردات والعبارات حول قصور السلطة وغياب اللجنة التنفيذية عن هموم وقضايا القدس والمقدسيين،فهذه العناوين طرقنها وناشدناها وطالبناها بدل المرة الف مرة،بأن تقوم بدورها وتتحمل مسؤولياتها تجاه المدينة المقدسة واهلها،والإستجابة كانت محدودة جداً،وهنا يحضرني مثال صغير له دلالات كبيرة،في محاضرة ألقيتها عن أسرلة المناهج في مدينة القدس لطالبات الصف الحادي عشر لمدرسة النظامية للبنات،تكلمت مديرة المدرسة بحرقة،عن انه تم قطع الكهرباء عن المدرسة لفترة محدودة لأن السلطة لم تدفع إلتزاماتها في هذا الجانب،وتراكم على المدرسة مبلغ (135 ) ألف شيكل كهرباء،ونفس الشيء مع المياه،ومن هذا المثال تستطيعون التقييم والخلوص للنتائج.
نحن في القدس،وبدون مزايدة من احد او الطعن او الدس او التشكيك، اقدر على صوغ برامجنا وخططنا، التي تلامس همومنا وقضايانا،ولسنا بحاجة لعناوين او مرجعيات،لا تعرف ما هي ضريبة"الأرنونا" التي يدفعها المقدسي،ولماذا يقوم بدفعها،فالخطر أصبح داهم،واليوم خطر الإغلاق يتهدد عشرات المحلات التجارية في البلدة القديمة ليس فقط بسبب الضرائب الباهظة،بل بسبب سياسات الإحتلال التي تعمل على دفع أصحابها لبيعها أو إغلاقها ونقل مركز حياتهم إلى خارج المدينة المقدسة،حيث تكلفة ومصاريف فتحها لا تغطي الدخل او العائد المتحقق من فتحها،وغير ذلك الكثير الكثير من الهموم المقدسية.
علينا ان نباشر الآن فالوقت من دم،علينا أن نطالب كل أصحاب رؤوس الأموال الفلسطينيين،في القدس والداخل الفلسطيني والضفة الغربية الشروع في إقامة صندوق فلسطيني لمدينة القدس، والخطوة الأولى ان نبدأ ومن يتخلف عن الركب يلتحق لاحقاً علينا الجلوس معاً في القدس،من اجل رسم خارطة طريق للمدينة،علينا ان نضع خطوطنا الحمراء وثوابتنا،الملزمة للوزير قبل الغفير،فاهل مكة ادرى بشعابها.