إيران تتصدر المشهد ، ولا عزاء للكارهين

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الاتفاق الموقع بين إيران كقوة إقليمية في المنطقة وبين الدول التي يطلق عليها مصطلح الدول الكبار ٥+١، لا يخرج في قراءته عن الرؤية العامة للجمهورية والتي يمكن حصرها من خلال زاويتين ....
1- النظر لإيران كقوة ممانعة مقاومة تمثل القائد والمحرك لمحور المقاومة الذي يقف بصلابة أمام محور الشر والذي تديره أمريكيا باليد الإسرائيلية التي تقف وراء كل هذا الخراب في المنطقة .
2- أو النظر لإيران كدولة طموحة تسعى لان تمارس دورا فاعلا خارج حدودها عبر تدخلاتها في دول الجوار أو دعمها للمنظمات ذات النسيج المذهبي الواحد أو ذات الأيدلوجية السياسية المتقاربة ، كل ذلك مغلف بالتشكيك بالنوايا والتهويل للغايات
والاتفاق الأخير الذي وقعته إيران مع الدول ٥+١ هو إنجاز ونجاح إيراني ومن كلتا الزاويتين.
فالنظرة الأولى : تعتبر الاتفاق نصر وإنجاز جديد لمحور المقاومة و إقرار بالحق و انهزام أمام الإرادة الصلبة.
والنظرة الثانية: تعتبر الاتفاق هو دخول لإيران لعالم الكبار و بداية وجود علائق بين إيران و أولياء النعمة السادة العظام و مع أن ذلك انتصار لخيار اصحاب هذه النظرة إلا إنهم فضلوا الانتقال لمربع الحاسد بدل مربع العدو .

وعلى هذا فأن تأثير الاتفاق الإيراني على دول الجوار يستند في وجوده على هاتين القراءتين ولكي تنجلي الصورة فسنعمد للتفصيل ....
أولاً : الدول العربية /
الأكثرية العربية التي تلجأ للتشكيك في النوايا و الأهداف للجمهورية هي اليوم مصدومة من شهادة حسن السير والسلوك التي تطوعت أمريكيا بالخصوص في تقديمها بعدما زرعت بنفسها كل بذور الشقاق و قدمت نظرتها المعبأة بالتهويل و التخويف من تعاظم هذه القوة في المنطقة وهذا ما أبقى إيران دوما في مربع الرفض من هذه الأكثرية ، ويرى هؤلاء أن هذا الاتفاق جاء ليعزز قوة إيران على حساب جيرانها وأن هذا العراك السياسي بين إيران و الدول التي تملك القرار العالمي ليس إلا صراع على النفوذ في المنطقة ، ولكن بنظرة مدققة نجد أن إيران لا تقدم نفسها كشرطي منطقة ذلك الدور القديم الذي كان يمارسه الشاة قبل الثورة ، بل إن إيران و من خلال تجربتها و إرثها الثقافي والديني ترى أنها تمتلك الترياق الذي بإمكانه أن يعالج هذه الدول من مرض الانقياد و التتبع للقوى المستبدة الظالمة وخاصة في ظل تلبس العالم بهذه الطغمة التي تقصر الأخلاق و الرقي على الميادين التي تريدها وتنزعها من عموم الجغرافيا وكأن الأرض لا تحمل إلا وجودهم .
والدول التي تقبع في مربع الرفض للجمهورية والتي تتصدرها دول الخليج وعلى رأسها السعودية كانت قد استعاضت بالعدو الحقيقي للأمة ( إسرائيل )والذي يتربع على صدر الأمة من أكثر من ٦٥ عام وشره قد وصل لكل موضع حجر و منبت زرع ، بالعدو الفارسي الذي إما أن نحاسبه على طبيعته الاستعمارية القديمة والتي سبقت الدولة الإسلامية في الوجود أو نحتمل وقوع الشر منه طالما انه لا يلبس الشماغ أو ربطة العنق وعلى هذه الاحتمالات و التكهنات الفاسدة يستل العرب السيوف الصدئة من غمدها عند كل صيحة بتفوق او نصر لمن هم خارج دائرة الفشل .

وهذا الرفض العربي الذي تتصدره دول الخليج لم يقف عند هذا الحد بل فاق التصور بالانسجام مع إسرائيل بل و التنسيق وإدارة الموقف فيما يخص الوضع في سوريا ولبنان ، وهذا ليس بجديد ولكن قبحه الشديد لا يُمكننا من الإعتياد عليه ، فالمعادلة القائمة بحق هؤلاء ، أنه كلما فازت إيران بإنجاز أو نصر أو منعة فان هذا الفريق سيزداد عداءا و لجوءا لكل الشذاذ طلبا للنصرة .
بقية الدول العربية التي تبني علاقتها بإيران إما على أساس التوجس والريبة و إساءة الظن وإما على الاحترام الخجل و الحيي ظلت مواقفها تتراوح بين المباركة المنقطعة والتي لن يعقبها فعل على الأرض ، أو الدول التي قد تقدمت خطوة سابقا في اتجاه إيران و التي قد تتبعها خطوات أخرى في ظل الانفتاح الإيراني الجديد على العالم .


ثانياً : تركيا /
أما الأتراك الباحثين عن زعامتهم القديمة على العالم السني عبر مشروعهم الاخواني في المنطقة العربية فأن هذا الاتفاق بمثابة هدما لركن آخر للحلم المتهاوي بسقوط مراكز الاخوان والذي كانت مصر أشدها وطأة عليهم و هزيمتهم في الشام و وجود إيران النووية المتقدمة و القوية والتي تقدم مشروعها الأممي من خارج العباءة الأمريكية بخلاف أردوغان الذي سعى لأن يقدم الإسلام من بين ثنايا اليد الأمريكية ، و تركيا الان ليس أمامها إلا أن تقبل بهذا التفوق و الدفع التركي لسفينة العلاقة مع إيران يشير إلى ذلك.
إيران الثورة والجمهورية الإسلامية أياديها بيضاء على جوارها العربي و الإسلامي ولم يسجل التاريخ الحديث لها أنها كانت بحيثيتين فلطالما قدمت و بذلت في مسيرتها ما يؤصل إنتمائها لجذورها الدينية والتاريخية ولا نبالغ إن قلنا إنها كانت عروبية أكثر من العرب ، والغريب أنه عندما كانت إيران سابقاً حليفاً إستراتيجياً لدولة الكيان وفي خضم الحروب العربية الإسرائيلية كان الشاة يلقى حفاوة من معظم الزعماء العرب بلا علة واضحة وكأنه قدم شرط الحفاوة و السيادة بعلاقته الوطيدة بإسرائيل.

ثالثا ً: الكيان الصهيوني / وهو أشد الخاسرين و أكثرهم رفضاً لهذه الإتفاقية ، فخروج إبران من دائرة العداء المطلق للدول الكبار حلفاء الكيان وبقاء إسرائيل وحدها تحمل عبأ هذا العداء المعلن مع ايران هو أمر لم تعتاده إسرائيل في سياساتها الخارجية ،وهو في نفس الوقت فرصة ثمينة للسياسة الإيرانية في المنطقة ، و قلب للاوضاع فالعزلة التي ستخرج منها ايران ستكون لإسرائيل نصيب منها ، والاستهداف الدولي الذي لطالما خيم على ايران سيحل محله الانفتاح ، و هكذا وضع قد يدفع إسرائيل لارتكاب حماقات في محاولة منها لجر المنطقة للمربع القديم او حتى لنقل الصراع للذروة .

رابعا :محور المقاومة /
أما محور المقاومة المتمثل بقواه في سوريا ولبنان وفلسطين ، فأن سوريا باتت أقوى بهذا الإتفاق وهو بمثابة فتح الطريق لإيران ولمن شاركها المسير والمصير وهو تسليم حيي لانتصارها في المنطقة و أن كلمتها راجحة في وجود جعجعات الكثيرين الذين راهنوا على هزيمة سوريا و غلبة الاعراب و الترك وداعميهم .
أما مقاومة لبنان فهي متقدمة على الجميع وهي تعتبر شريك أساسي في هذا الانتصار ، فصمودهم كان أثر ومؤثر وكان إمتدادا ومصدر ، فالتلاحم في الموقف والصمود في الميدان و البصيرة بالغلبة ، كانت عناوين لايران القائد و لحزب الله الغالب ،
والاتفاق الإيراني لا يمكن أن يتجاوز أثره الفلسطينيين ، الذين نصنفهم على مستواهم الشعبي بإنهم جميعا ينتمون لمحور المقاومة ، أما عند الدخول في تقسيماتهم الأيدلوجية والسياسية فأن لكل منهم خلفية خاصة لانضوائه لمحور الممانعة والمقاومة .
ففريق التفاوض الذي خلع عن نفسه عباءة الرفض ولكنه ما زال يقدم ثمن رفضه القديم ، فأنه لا يملك قرار نفسه و مستقبله حتى نتسمع له مواقفه السياسية التي تأتينا غالبا مملوءة بالوجل و مكسوة بالارتعاد والرجفة ، و أثر هذا الاتفاق لن يصلهم طالما أنهم باقين في هذا المربع ، نعم قد يتفقون معنا على أهميته وإمكان استثمارهم له لصالح مسارهم ولكنهم لن يفعلوا و سيبقون في دائرة التردد و الجمود .
وفصائل المقاومة دون حماس حدودها أقصر من أن تتبصر ما يحيطها ودائما ما تبقي الأحداث الكبيرة والصغيرة في إطار النميمة النخبوية ولن تصل ملامحه للقواعد ، ومن الغريب أن يتقدم قائد المحور فلا يلحقه من يحسب نفسه على هذا المحور ، بل ويذهبون للتعلل بالاختلاف المذهبي أو لكونه يخاف أن يخسر ما قد خسره سابقا مرات ولكنه نسي ، و في أثناء ذلك سيتم تغييب وتضييع هذا الإنتصار أو حتى الإنقلاب عليه بإخراج فانتازي يجعل الغالب مغلوب والمغلوب غالب.
أما حركةحماس وهي التي تعاني من عدة إنفصامات في شخصيتها بسبب سعيها لاحتواء المتناقضات تصيدا لمصالحها ، فأن ما يتعلق بموقفها من قائد محور المقاومة متشابك ، فهي من جهة تعرف أين تقف منه ولكنها تقبل ذلك على مضض لكونها ترى أن ما تحتله إيران من الصدارة وبقائهم في صورة التابع ، يحرجهم أمام قواعدهم و حواضنهم وان مشروعهم العالمي الذي كان يطمح في تركيا السنية في أخذ هذا الموقع من الصدارة فهذا الطرح بات باهتاً ، وفي إطار هذه الازدواجية الاتفاق لكونه تثبيت لهذا الواقع وان كان هذا لا يمنع المباركة الإعلامية ، وفي نفس الوقت تأمل أن يعود عليها ذلك الاتفاق بالفائدة فالإنفراج الذي سيتحقق لإيران تأمل أن يكون لها نصيب منه ، والعلاقة مع إيران ستزداد قوة بعد أن تيقنت حماس أن لا سند لظهرها إلا إيران في هذه المرحلة وتكرر الخطأ الذي كان قد يتأخر في ظل اوضاع حماس الداخلية وتوازناتها الخارجية .

وأما الحديث الذي يتفشى دوما بعد كل اتفاق في الصالونات السياسية عن الأثمان التي دفعتها إيران أو ستدفعها مستقبلا في إطار هذا الاتفاق ، فهذه محض تخرصات لا وزن لها ، فإيران قد دفعت الثمن مسبقا من سنين الحصار و ضراوة الهجمة وما يجرى الآن هو انتصار حقيقي جاء بعد معركة حقيقية
إيران لا تحركها السياسة بقدر ما تحركها المنطلقات الفكرية المبدأية وهذا هو سر قوتها ، وتأثيرها السياسي في المنطقة هو ثمرة حلال تقطفها بعد صبرها الطويل على كل الثمار التي سقطت ، وهذا يشير إلا إنها لا تمتلك سياسة خارجية ذكية ومبدعة أبقت إيران رغم كل الأوضاع الشاذة داخل الساحة لا خارجها .
فهذا التمترس لإيران حول ملفها النووي السلمي هو انتصار أخلاقي بامتياز فهي قد فرضت على العالم معادلة الاستخدام السلمي للطاقة النووية و أن في هذا العالم من يسير التقدم العلمي في مساره الطبيعي .
وحققت انتصار سياسي في أن الغلبة للشعوب الثابتة على حقوقها لا التي تنساق مع كل لامس تعطيه ما لم يطلب حتى رغبة في محض العلاقة ،وأن إرادة الغرب ليست هي قدرنا التي يجب أن نخنع لها وأن مخططات أمريكيا تسقط أمام صلابة الشعوب الحية و كما سقطت من قبل في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق ، فإن شعوب المنطقة و قواها المناضلة العزيزة ما زالت تقف أمام خياراتها ومصيرها فهي وحدها تستطيع أن تمتلك يومها وتصنع غدها بصبرها وثباتها ووعيها وإيمانها.
محمد حرب ، فلسطين غزة