زفاف الأرض للسماء

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج

 

زفاف الأرض للسماء
 / أحمد ابراهيم الحاج

.......................................
في كل موسمٍ من كل عام
تُزفُّ الأرض الى السماء
...
تُلقِّح السماءُ الأرض
تُسخِّرُ رياحها وغيومها
شمسها وكواكبها وأفلاكها
من أجل نفخ الروح
في علاقة حب أزلية
ما بين الأرض والسماء
علاقة متموجة
تراوح بين مد وجزر
هجرٍ ولقاء
بخريف وشتاء
وربيع وصيف
....
ما بين ظلامٍ ونور
في تعاقبٍ لليل والنهار
في سعي ومكابدة وكدّ
وسكون وتأمُّلٍ وسُهدْ.
.........................................
علاقة شهد عليها آدم وحواء
وخصمهما الشيطان
...
منذ نزولهم للأرض
زوجيْن اثنين
وعدواً وحيداً
خِلّين وعذولاً واحداً
يدان تبنيان وتُعليان
ويدٍ تهدم ما علا من بنيان
...
الهدمُ أسهل وأسرعُ من البناء
الهدم يساوي ضعفيّ البناء
...
ما زال الصراع مستمراً
ما بين خيرٍ وشر
تعميرٌ وإعلاء
تدميرٌ وهدْ.
........................................
تجوع وتعطش الأرض
تتعرّى من لباسها
تبردُ .. تتدثر .. تسخن
تتقلص .. تتمدد
تدور حول نفسها حائرة
وحول الشمس طائعة
تتلوى ..
تنام متكورة .. تصحو متكورة
تنتفض في قشعريرة
من حمّى المرض
تمرض .. تتألم
لكنها لا تموت وتفنى الا بأمر ربها
ذاك هو العهدْ في يوم الوعد.
.........................................
تعطفُ السماء على الأرض
تتشح بلباس الغيوم السوداءِ
تدلف دموعاً حزينة
تنقلبُ على مشاعر الحزن
تثور على عويل الحداد والنواح
يعمرها التفاؤل والأمل
تُمطر الدموع مدراراً لتروي ظمأ الأرض
تهبُّ الرياح المُسخرات فتنثر حبوب اللقاح
في كل حدبٍ وصوب
تستقبلها الأرض بالأفراح
تبتلعها بلسماً للأمراض والجراح
...
من كل زوجين اثنين
تحمل كل ذاتٍ حملٍ حملها
ثم تضع كل ذات حملٍ حملها
في شهر نيسان
حيث اللقاء والوصال
موعد زفاف الأرض للسماء
وإفصاحُ الأرض عن مكنوناتها
واعترافها بالغرام والهيام
...
تُبعث الحياة في الأرض من جديد
تكتسي بحلتها الخضراء
مطرزة بألوان قوس قزح
ممزوجة بزرقة السماء الصافية
كثوب فتاةٍ فلسطينية في ليلة زفافها
إنه العناق ما بين السماء والأرض
إنه الحق وصِدْق الوعدْ.
..........................................
تتجلى علاقة الأرض بالسماء
في أسمى أحاسيسها وآياتها
في نيسان من كل عام
حين تحتضن السماءُ الأرض
وتعانق الأرضُ السماء
...
تغدق الأرض بثمارها وأجنتها
تزداد حرارة اللقاء سخونةً
الى درجة الغليان
حينها تفقد الأرض سيطرتها على رُشدها
تروح في غيبوبة الغرائز والمتاع
تتمادى في زهوها وخيلائها
تتيه في غيها وغرورها
...
تنفر السماءُ من بطر الأرض بنعمها
تفتر حرارة اللقاء
تتنافر المشاعر والأحاسيس
تجفل السماء من عبث الأرض
تلجأُ الى هجرها علّها توقظها
تدخل العلاقة في خريفها وبياتها الشتوي
يحل الجفاء والبعدْ.
والزمهرير والبردْ.
............................................
تعود الأرض لكارها من جديد
تجوع ، تعطشُ ، تتعرى
تمرض ، تتألم
ترفع أكفها الى السماء مُستسقية
مستجدية عطفها وحنانها ووصالها
طالبةً غفرانها وعفوها
معلنةً ندمها وتوبتها
...
تؤوب السماء لعهدها
تفتح خزائن رحمتها الواسعة
تصفحُ الصفح الجميل
تحنو عليها من جديد
وهكذا دواليك......،
...
لكن السؤال المحيّر للعقل!
ما بالُ الأرض غريبةٌ في أطوارها؟!
تغدو إياباً الى السماء
ترجع ذهاباً عنها
لقاء ووصال معها تارة
هجر وجفاء عنها تارة أخرى
تصالحٌ وتقارب، تخاصمٌ وبعدْ
أهي خصومة الخير مع الشر؟
أم هي خصومة النّد للندْ؟
حيث لا نُدركُ قيمة الندْ
إلاّ إذا عرفنا خصائص نِدِّ النِّدْ.
........................................
حضرتُ زفاف الأرض للسماء
في أماكن متعددة ومختلفة
وجدته في أزهى حُلله
ووهج جماله وأوج فرحه
لم يغب عن ذاكرتي أبداً
لم يَجبُّه من ذاكرتي أي زفاف بعده
رغم تقادم الزمان وبعد المكان
والتكرار في كل موسم من كل عام
إنه زفاف الأرض للسماء في
فلسطين..... فلسطين.....فلسطين
...
فلسطين بوابة الأرض للسماء
ممرُّ زفة الأرض إلى السماء
...
فلسطين في إسرائها ومعراجها
مسجدها وكنيستها
زيتها وزيتونها، عنبها وتينها
تفاحها وحِمضُها، أعشابها وقمحها
حنانها بخريفها وشتائها
جمالها بربيعها ، ألقها بصيفها
زهورها وثمارها .... ورودها
آثارها وترابها .... تراثها
...
زفافٌ محفورٌ في صخور الذاكرة
عصيٌّ على النسيان
لم يستهويني غيره
لن يسعدني سواه ما حييت
أتساءل في كل زمان
في أي غربةٍ أو أيّ منفىً كان
متى يستحق الوفاء ويحين الوعدْ؟
ويعود المُشرّدُ للمهد
ويرتاح الجد باللحدْ.

 

المصدر: غزة _ وكالة قدس نت للأنباء -