حكاية من غزة.. صياد في ثلاث حكومات

يعيش الفلسطينيون منذ النكبة التي حلت بهم عام 1948 صراع الماضي, و أزمة الحاضر, وخوف المستقبل, وسنين تجتر معها سنين أخرى, لا راحة فيها ولا استقرار, لتُسحق معها حلوها ومرها في مطحنة واحدة بطعم مختلف لشتى أنواع الحصار ممزوجة بالقهر, والحرمان, و الألم.

عاصر ثلاث حكومات, وهجره الاحتلال من بلدته الأم "عسقلان" إلى قطاع غزة عام 1948 عنوة, تيسير البردويل والذي تجاوز الستين عاماً ويعمل في مهنة الصيد منذ خمسين عاماً، يقول: "هاجر والدي وأجدادي من بلدتنا بقوة سلاح الاحتلال, وحرمنا خيرها, وتعلمت مهنة الصيد من والدي الذي كان يحترف بها".

وعلى الرغم من ضعف الدخل المادي لمهنة الصيد في قطاع غزة، بفعل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة في بحر غزة، إلا أن البردويل يحرص على توريثها لأبنائه رغم مشقتها وصعوبتها ورزقها الذي يعتمد على المواسم, قائلاً: "هذه المهنة متجذرة فينا ماحيينا".

في بحر غزة حكايات مواطنين أرادوا فقط الحصول على لقمة العيش بكرامة وحرية, حقا شرعي كأي مواطن يعيش في دولة, لكن غزة عرفت منذ التاريخ بعدم استقرارها, فيعود البردويل بذاكرته ليروي فترة الحكم المصري، قائلاً: "عهدنا الحكم المصري وكنت اذهب مع والدي لصيد الأسماك في بحر غزة", مشيراً إلى أن مهنة الصيد كانت تعود بدخل مادي أفضل مما هو الحال عليه بفعل الممارسات الإسرائيلية."

وأضاف "الصيد فترة الحكم المصري كان أفضل مما عليه الآن, الأسماك وفير بنسبة 90% و المساحة المسموح بها كانت تتعدى الحدود المصرية حتى بور سعيد، رغم ضعف الإمكانيات لدى الصيادين الفلسطينيين"، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية كانت تمنحهم تصريحات للصيد مدة يوماً في بحرها.

وعن معاصرته لفترة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، يوضح البردويل عنصرية وممارسات الاحتلال تجاه الصيادين الفلسطينيين وعمليات التنكيل بهم ومنعهم من الصيد.

ويقول: "الاحتلال كان يحصل منا على غرامات مالية وذلك لتجاوزنا مساحة الصيد المسموح لنا بها, والتي تصل في بعض الاحيان عشرة ألاف دينار أردني".

ويضيف "إن زوارق الاحتلال لا تحترم أي اتفاقيات, أو التزامات توقع مع الجانب الفلسطيني، حيث تمارس بشكل يومي اجراءات تحد من عملنا سواء عمليات تنكيل او قتل او تدمير مراكبنا أو اعتقالنا".

وعن وفرة السمك، يوضح البردويل: "أن مسافة الصيد الجيدة هي بعد 7 ميل, حيث تكثر الصخور التي تختبئ بها الأسماك".

ويقول: "عندما يحين موسم الصيد خلال أشهر الربيع يهاجر فيها السمك من بلد إلى أخر كتركيا وقبرص ومصر مارا بغزة".

وأشار البردويل، إلى أن هناك آلاف الصيادين الفلسطينيين يعتمدون على موسم الصيد، لسد ديونهم وتوفير قوت يومهم أو تزويج أبنائهم وتعليمهم, قائلاً: "عند انتهاء الموسم يصبح وضعنا المادي صعب, ونعاود نبحث من جديد عن عمل نؤمن قوت عائلاتنا وبعض حاجياتهم من خلال البحث عن عمل إضافي".

إلى ذلك، وعن حرية الصيد، قال البردويل: "إن السلطات المصرية سمحت للصيادين الفلسطينيين بالصيد عدة كيلو مترات داخل المياه المصرية, في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وذلك بعد موافقة إسرائيلية عام 2009".

وأضاف "بعد أن سمح لنا بالصيد داخل المياه الإقليمية لمصر استطعنا صيد الكثير من الأسماك"، مشيراً إلى أن السلطات المصرية كانت تغض النظر عند دخول الصيادين الفلسطينيين لمسافات غير مسموح بها داخل مياهها الإقليمية.

 

وأكد البردويل "أن عملية الصيد داخل المياه الإقليمية المصرية استمرت حتى حكم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي, إلى أن وقعت الأحداث تم منعنا من الصيد مجددا", مشيراً إلى أن من يحاول ان يتجاوز الحدود المصرية عبر البحر يتم إطلاق النار عليه من قبل البحرية.

وبين البردويل الذي تجاوز الستين عاماً وذو الملامح التي تروي معاناة الصيادين الفلسطينيين, أن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة لعب دورا كبيرا في ازدياد أزمة الصيد, لاسيما ارتفاع أسعار الوقود وإغلاق الإنفاق والمعابر.

وتحدث البردويل، عن اشتداد أزمة الصيد في الوقت الذي كانت تسمح به سلطات الاحتلال مسافة ثلاثة أميال ببحر غزة، قائلاً: "كنا نشتري الأسماك عبر البحر من قبل الصيادين المصريين في وقت نشكو فيه من ندرة الأسماك المحصورة بهذه الأميال الثلاثة".

من جهته، يقول نقيب الصيادين الفلسطينيين نزار عياش، إن القيود الإسرائيلية تمنع أكثر من أربعة آلاف صياد فلسطيني من ممارسة مهنتهم.

وأشار عياش، إلى تعرض عدد من الصيادين الفلسطينيين إلى حوادث إطلاق نار وملاحقة شبه يومية من قبل قوات البحرية الإسرائيلية التي قال إنها تصادر قواربهم وتقيد عملهم.

وطالب عياش، بتدخل عربي ودولي للضغط على إسرائيل لتوسيع مساحة الصيد، ورفع القيود عن الصيادين.

وأبحر نحو 200 ناشط شبابي فلسطيني يرافقهم متضامنون أجانب في بحر قطاع غزة أمس (الاثنين)، لمسافة ستة أميال احتجاجا على الحصار البحري الذي تفرضه إسرائيل على القطاع.

وانطلق هؤلاء على متن 20 قاربا بدعوة من "ائتلاف شباب انتفاضة" وهم يرفعون الأعلام فلسطينية ولافتات تطالب بإنهاء الحصار البحري المفروض منذ عام 2007.

وقال النشطاء المشاركون في الفعالية التي حملت اسم "قافلة الصمود والعدالة"، إنهم وصلوا إلى مسافة 6 أميال بحرية وهي المسافة التي تمنع البحرية الإسرائيلية اختراقها من قبل الصيادين الفلسطينيين.

وفرضت إسرائيل حصار مشدد على قطاع غزة عقب سيطرة حركة (حماس) على الأوضاع في القطاع عام 2007، تخلت خلاله عن تفاهمات اتفاقية أوسلو التي وقعتها مع السلطة الفلسطينية عام 1993 فيما يتعلق بمساحة الصيد البالغة 12 ميلا وقلصتها إلى 3 أميال.

إلا أنه بعد ذلك سمح للصيادين في غزة مطلع ديسمبر الماضي بالدخول مسافة 6 أميال بدلا من 3 بعد اتفاق أعلنت عنه مصر في نوفمبر الماضي بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل  بعد حرب "عمود السحاب" التي شنها الاحتلال واستمرت 8 أيام.

 

تقرير/ سلوى ياسين وأحمد الفيومي 

المصدر: غزة - وكالة قدس نت للأنباء -