بلغ القمع والوحشية والبطش الاسرائيلي مداه للتظاهرات التي اندلعت في "يوم الغضب" في النقب وحيفا مساء السبت 30/11/2013، احتجاجاً على "مخطط برافر" لاقتلاع نحو 70 الفاً من بدو النقب من أراضيهم في 35 قرية ومصادرتها لتهويد المنطقة، فيما توعد وزراء الحكومة الإسرائيلية فلسطينيي الداخل بالتعامل مع تظاهراتهم بمزيد من البطش والعقاب الشديد.
التحريض على عرب النقب يزداد حده يوما بعد يوم. و مخطط برافر هو خطة ظلامية ضد السكان الاصليين الذين لهم حقوق تاريخية في ارضهم، ومن حقهم مقاومة الاقتلاع والتصدي لكل المخططات والمحاولات الشريرة لنهب الأرض.
وفي خطوة قمعية ومستغربة من عدد من وسائل الاعلام والصحافيين الاسرائيليين اصدرت محكمة الصلح في مدينة بئر السبع، وبناء لطلب الشرطة، أمراً لوسائل الإعلام المختلفة التي غطت تظاهرة حورة في النقب بتسليم الشرطة الصور التي التقطها مصوروها.
واستخدمت الشرطة الإسرائيلية المعززة بوحدات خاصة ومروحيات ووسائل تفريق التظاهرات، أسلوب البطش والضرب، مع تنفيذ اعتقالات عشوائية بهدف الترهيب والردع.
التظاهرات امتدت إلى يافا والمثلث، ولاقت اهتمامات كبار المسؤولين وعناوين وسائل الإعلام العبرية التي اعتبرت المواجهات مع الشرطة "أعمال شغب يقوم بها مواطنون عرب"، لكنها أشارت إلى حقيقة أن التظاهرات يقودها "حراك شعبي" من شباب وصبايا وليس من أحزاب. وتساءل بعض محلليها في ما إذا كانت تنذر بانتفاضة جديدة لعرب الداخل.
واستدعت التظاهرات الغاضبة رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو إلى إجراء اتصال هاتفي عاجل مع وزير الأمن الداخلي (الشرطة) اسحق أهارونوفتش ليشد على يد عناصرها في مواجهتها المتظاهرين، مع مطالبتها بمعاقبة "المخلّين بالنظام ومثيري الشغب"، مؤكداً عزم حكومته تطبيق "مشروع برافر" بداعي انه يخدم جميع المواطنين في النقب. وتعهد أهارونوفتش بأن تعاقب الشرطة "المتظاهرين مثيري الشغب وتتعقبهم فرداً فرداً".
أما وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، الذي يقود منذ سنوات حملة عنصرية ضد المواطنين العرب، فكتب على صفحته في "فايسبوك" ان احتجاجات المواطنين العرب على المخطط هي «حرب على الأراضي القومية للشعب اليهودي و "هناك من يحاول بشكل متعمد سلبها والاستيلاء عليها بالقوة، ولا يمكن غض الطرف والتهرب من هذا الواقع". وأعرب عن معارضته المخطط لأنه يتحيز للمواطنين البدو.
وتسابق الوزراء ونوابهم في إطلاق الوعيـد للمواطنين العــرب "على تحديهم القانــون وأعـمال الشغــب التي قاموا بها"، واعتبر بعضهم أن الحكومة تصنع معــروفاً مــع بـدو النقب المخطط ترحيلهم لأنها ستبني لهم تجمعات سكنية جديدة. وقال وزير النقل يسرائيل كاتس إن الحكومة اقترحت على البدو "الذيــن غــزوا أراضيَ صودرت في الخمسينات بتعويضات، لكنهم ردوا علينا بانتفاضة ورفع أعلام فلسطينية، ما يحتم علينا التعامل بيد من حديد مع مثيري الشغب".
التظاهرات التي اندلعت من قبل فلسطيني الداخل يقودها "الحراك الشبابي" الذي ظهر على الساحة منذ عامين، وتطغى فعالياته على نشاطات الأحزاب والحركات السياسية و "لجنة المتابعة للجماهير العربية"، ليس في هذه القضية فحسب، وإنما في قضايا وطنية أخرى مثل قضية الأسرى ومحاكمة متهمي شفاعمرو بقتل الإرهابي ناتان زاده.
الخط العريض لنشاط "الحراك" يقوم على نضال فكري توعوي، وعلى المقاومة الشعبية السلمية، مستفيدين من نضالات مماثلة في تاريخ العالم. جيل الشباب في المجتمع الفلسطيني الداخلي، وبعد "أحداث أكتوبر 2000" التي انتفض فيها فلسطينيو الداخل واستشهد 13 منهم برصاص الشرطة الإسرائيلية، بلور هويته الفلسطينية، وهم من أبناء العشرينات من فلسطيني الداخل الذين عاشوا الحرب على لبنان 2006 والحرب على قطاع غزة عام 2009.
وأبناء العشرينات من فلسطينيي الضفة و قطاع غزة كبروا و عاشوا ولا يزالوا الانقسام، وفي خضمه انهمك الشباب و الناس في الهم اليومي ولقمة العيش والفقر والبطالة والدفاع عن حقوقهم المنتهكة من سلطتي الانقسام، وترهل الفصائل وعجزها عن الفعل السياسي، يتم اهمال القضايا الوطنية الكبيرة كمواجهة الاستيطان وتهويد الأرض وتغييب الهوية، وعدم مواجهة المشاريع الصهيونية الهادفة إلى فصل الفلسطينيين عن ما تبقى من وطن.
في فلسطين التاريخية يعود الفلسطيني، لمواجهة الواقع السياسي المر الذي يعيشه بكل مخاطره وتحدياته، فالشباب الفلسطيني في مواجهة العنصرية والعنف والغطرسة مسلحين بالوعي السياسي وبالروح الوطنية العالية، وبالقدرة على تطوير آليات النهوض بالنضال الشعبي.
الان جاء دور الشباب في الضفة الغربية وقطاع غزة لتوحيد انفسهم والعمل بشكل وطني بعيدا عن المزايدات والاصطفاف الحزبي، والاستفادة من تجربة الحراك الشبابي في اذار 2011، واستخلاص العبر من خطاياهم وأخطائهم الذي ارتكبوها خدمة لمصالح حزبية او خاصة، وتوجيه النقد لأنفسهم ورفع شعارات وطنية وليست حزبية، والمطالبة بإنهاء الانقسام والاهتمام بالقضايا الوطنية وليس المطلبية فقط.
و مع الاخذ بالاعتبار منح الشباب فرصة للعمل وحدهم وتزويدهم بتجربة الكبار بعيدا عن فرض الوصاية عليهم والتعامل معهم على انهم مراهقون، وعدم التعامل معهم بالقمع والاحتواء كما هو حاصل الان.
ولتفويت الفرصة من الشباب على الفصائل لاحتوائهم وتوجيههم يجب عليهم توحيد صفوفهم والاتفاق للعمل على القضايا الوطنية التي تجمع الناس كموضع الاسرى والمفاوضات والاستيطان ومصادرة الاراضي في القدس و النقب والجليل، ومواجهة الاحتلال بالتحركات الشعبية التي تجمع الناس.
وطالما اقنع الشباب الناس بعملهم الوطني الجامع فسيكون من الصعب قمعهم، في المقابل فانه غير مسموح للشباب الخوف من قمع الاجهزة الامنية حتى لا يتحول الخوف إلى كابح أمام الناس إلى انهاء الانقسام و الحرية والعيش بكرامة.
بإمكاننا التحول إلى قوة مؤثرة للضغط على المنقسمين، و تفرض حضورها السياسي والفعلي على الساحة، وإجبارهم عن العودة عن انقسامهم و الضغط عليهم و لنساعد الشباب و يتحركون مستندين إلى وعيهم وحماسهم.
كما لا يجوز للفصائل والمثقفين التعامل مع الشباب كحالة عاطفية او رومانسية عابرة، وعلى الشباب ان يتسلحوا بالوعي كفئة مهمة سيكون على عاتقها مهام جسيمة، و يجب أن تجتهد بتطوير وعيها ومعرفتها بما سببه الانقسام من كوارث، وما نعانيه من أن تدرك أنها تكمل مشوار بدأته الفصائل الفلسطينية وعليهم تطوير من سبقوهم.
والمطلوب من الشباب تطوير حراكهم ومدى قدرتهم على استقطاب اخرين من الشباب من انصار الفصائل والمهمشين والعاطلين عن العمل، والتصرف بمسؤولية وطنية تجمع ولا تفرق.
نحن نمر بمرحلة خطيرة جدا و لا بديل امامنا سوى النضال المشترك والاشتباك اليومي من اجل انهاء الانقسام، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والاتفاق على استراتيجية وطنية للاستمرار في النضال من اجل دحر الاحتلال.
مصطفى إبراهيم
[email protected]
mustaf2.wordpress.com