أين العرب من عولمة الإعلام؟

بقلم: علي بدوان

في مناخ الاضطرابات والتحولات والأزمات المتتالية التي تعيشها المنطقة عموماً، تُعيد الولايات المتحدة والغرب عموماً تصدير نظرية العولمة (أو الكوكبة) على الجانب الإعلامي بطريقة مدروسة يجري من خلالها ضخ المادة السياسية الدعاوية بطريقة براقة وخادعة، وبطريقة تحاول من خلالها مسخ الآخر، وابتلاعه، انطلاقاً من أن العولمة في أحد تجلياتها تتدفق عبر نهر الإعلام وتقنيات الاتصال الفائقة التطور التي يمتلكها الغرب قبل غيره.

 

فالعولمة الإعلامية من وجهة نظر الولايات المتحدة بدأت تظهر كإحدى الظواهر المعاصرة عبر تسلط السلطة الإعلامية الأقوى والفعل استخداماً للجديد في تكنولوجيا الاتصالات والتواصل، وباتت تحمل مخاطر كبيرة حال بقيت تتدفق في اتجاه واحد، لذا تظل العولمة الإعلامية إياها الموضوع الأكثر حضوراً في الفكر العالمي المعاصر، وتظل الأكثر إثارة للجدل نظراً لسطوتها وتأثيرها على الناس في مختلف المجتمعات خصوصاً منها مجتمعات الدول العالمثالثية، وبعد أن تعددت تعريفاتها وتنوعت حتى أصبح من الصعب تحديدها. والعولمة الإعلامية من الوجهة الأخيرة ليست سوى الهدف الرئيسي للسياسة الكونية التي ينتهجها الغرب، مترافقة مع عولمة ثقافية، مما يتيح الفرصة الأوسع للتأثير في الاتجاهات الرئيسية عند الناس في منطقتنا ومجتمعاتنا.

 

فالفعل السحري الذي تتركه العملية الإعلامية المتطورة تقنياً بواسطة الصوت والصورة والخبر السريع وحتى الكلمة المكتوبة، وتداخل سلطة السياسي ومواقع الهيمنة في السيطرة على (تقنيات الإعلام والبنى المادية التحتية) يوسع بالضرورة احتمالات تحولها من منبر إعلامي/إخباري وثقافي أو كليهما معاً إلى منبر استبدادي جديد يعيد تقديم المشهد بطريقة توظيفية غير بريئة تحول النصوص في قواعد وأسس حرية الإعلام إلى ممارسات استبدادية في التطبيق، وفي الترويج لمنحى محدد.

 

إن برامج المحطات الآتية إلينا عبر الأقمار الاصطناعية من أصقاع الأرض المختلفة، تهدف في غالبيتها للترويج السياسي لأفكار الآخرين، وللتسويق الثقافي بكافة نواحيه، وللترويج الاقتصادي.

 

وحتى نتكلم بشكل محدد وبتوصيف ملموس، نتطرق لقناة الحرة الأميركية على سبيل المثال، والتي جاءت ولادتها انطلاقاً من التقديم أعلاه، ومن موقع التنافس على جمهور المنطقة، وفي سياق البرنامج الأميركي المعلن تحت عنوان "نشر الديمقراطية"، ففي نظرة فاحصة لأسلوب الترويج الإعلاني لها، نجد أن تسويق الإعلان عنها جاء كفواصل بين البرامج المقدمة على شاشتها، حيث نلحظ عقلية "السوبرمان" الأميركية، وتمريرات واضحة لمفاهيم وأفكار دعاوية وسياسية لمسائل تخص الصراع مع الاحتلال الصهيوني، ولما يحدث في منطقتنا وفي جوارها القريب.

 

وفي إعلان الترويج نجد الفارق بين الإعلانات للترويج عن سلعة تجارية والترويج لسياسات وتسويق فكر معين وثقافة، بأسلوب قائم على محاكاة العقل يسيد فيه المنطق قبل العاطفة.

 

عليه، كانت قناة الحرة الأميركية واحدة من (المدافع العملاقة لعملية العولمة والكوكبة الإعلامية) وحيدة الاتجاه، في محاولة مدروسة للعبور من تخاريم ما يعانيه الإعلام العربي المليء بالمثالب، والذي يتغذى على حالة الخلل التي تنم عن اللا توازن في تدفق المعلومات وتردي الأداء المهني وغياب الجانب الموضوعي في البرامج السياسية والفكرية لصالح برامج "مقولبة" وفق مقاييس مسبقة، ولوظائف استخدامية محددة، وتالياً غياب التفاعل الراجع.

 

فصاحب فكرة المحطة (نورمان باتينز) الإمبراطور الإعلامي والمتبرع السخي للحزب الديمقراطي الأميركي في دورات الانتخابات الرئاسية الأميركية، أراد منها تحقيق قفزة نوعية في اختراق وسائل الإعلام العربية التي بدأت تشق طريقها بالرغم من كل العيوب والمثالب التي تحملها. إنها قناة (حرة) بالعنوان، وليس "كل ما يلمع ذهباً أو فضة"، فهي محطة تتكلم باسم السياسة الخارجية الأميركية الموجهة لشعوب الشرق الأوسط، وتقدم سكة الرأي الواحد متجنبة توزيع رادار أذن الاستماع إلى الجميع من مشارب وتيارات فكرية وسياسية عربية، حتى من الجانب المهني المحض عند وقوع أحداث معينة كما يحصل هذه الأيام في منطقتنا التي تَعُجُ بالأزمات.

 

وعلى هذا الأساس فإن قناة الحرة تلقى احتضانا مباشرا من مواقع القرار في الإدارة الأميركية، وبتمويل خاص من الكونجرس الأميركي بلغ (102) مليون دولار في العام الأول فقط من انطلاقتها (العام 2004)، كان منها (62) مليون دولار ميزانية خالصة للمحطة، ومبلغ (40) مليون دولار للعملية الترويجية.

 

إن تطور وسائل الإعلام وتقنياته، وان حمل في طياته أشكالاً من الاستثمار التسلطي، فإن آفاقا جديدةً فتحها أيضاً أمام البشرية لتوسيع أفق الديمقراطية والحرية وبث روح المساواة والتعاون، وهو ما يجب أن يسعى له الإعلام العربي، من أجل مغادرة الانتظار ومقاعد المتفرجين والركون للواقع دون محاولة إحداث التغيير الإيجابي فيه لمصلحة المنطقة وشعوبها.

وفي الخلاصات والاستنتاجات، نقول، إن العملية الإعلامية لم تعد بسيطة، ولم تبق كما كانت في أزمان سابقة، فقد دخلت بقوة عصر الثورة التكنولوجية، وطرأ عليها قفزة كبرى في تطور وسائلها وتقنياتها الاتصالية، حتى أمست العملية الإعلامية في مسار نوعي لم تكن البشرية تتوقع الوصول إليه بالسرعة التي تمت، في ثورة مُستجدة قال عنها أحدهم بأنها حضارة الموجة الثالثة، حضارة ثورة الاتصالات والمعلومات والتغيير المتسارع. ومن هنا تأتي أهمية الثورة الإعلامية في قوة حضورها وتأثيرها في مسار حركة الشعوب.

 

فأين نحن من العولمة الإعلامية، وهل هناك من موطئ قدم لإعلام عربي حقيقي، في مواجهة عولمة الإعلام التي تقودها الولايات المتحدة والغرب وحتى العديد من المنظومات الدولية التي باتت تملك محطات إعلامية تبث باللغة العربية ولمنطقتنا تحديداً .. أسئلة بحاجة لإجابات ولجهد عربي مقابل ...؟