المفاوضات لا تبيح المحظورات

بقلم: رشيد شاهين

مذ تم الإعلان عن قبول الجانب الفلسطيني العودة إلى المفاوضات في ظل هجمة الاستيطان، لم يتوقف الجدل في الساحة الفلسطينية حول تلك العودة، وما هو الثمن الذي يمكن أن يدفعه الجانب الفلسطيني، واعتبر البعض انها عودة مجانية إذا ما تم استثناء الإفراج عن الأسرى.

 

وما زال هذا الموضوع بين مؤيد ومعارض، علما بأن التيار المعارض لمثل هذه العودة "بدون شروط" كما يُعْتقد على نطاق واسع، كان هو الأغلب، برغم أن أثر هذا التيار على الأرض كان ضعيفا، وقد تمثل ذلك بفشله في حشد الجماهير التي يمكن أن تكون سندا لأي تيار يرغب في التعبير عن مواقفه السياسية أو أية مواقف أخرى حتى تلك البعيدة عن السياسة.

 

والحقيقة ان موضوع المعارضة في الساحة الفلسطينية ليس بجديد، بل هو يمتد في الماضي وقد كانت الفصائل مقسومة على ذاتها في أكثر من محطة، بحيث وصل الحال إلى تشكيل العديد من الأطر للوقوف في وجه التيار المهيمن على المنظمة منذ نشأتها.

 

وفيما يتعلق بالعودة إلى المفاوضات، التي جاء في بعض من تبريراتها – وقد تكون محقة- بان القيادة الفلسطينية لا ترغب أن تبدو أمام العالم وكأنها هي من يرفض "السلام"، وانها أرادت أن تثبت أن دولة الاحتلال هي من يعيق التقدم في العملية السلمية، كما أرادت أن يتم الإفراج عن أسرى ما قبل أوسلو هذا الإفراج المستحق أصلا كنتيجة لذلك الاتفاق.

 

وحيث أثبتت مسيرة المفاوضات أن دولة الاحتلال لا يمكن ان تقدم للفلسطينيين أكثر مما تم تقديمه، وان أقصى ما يمكن ان تقبل به ليس سوى حكم ذاتي قد يكون واسع الحدود، إلا أنها لم تفكر ولم تصل أبدا إلى القناعة التي تقول ان هنالك شعبا فلسطينيا له الحق في إقامة دولته المستقلة أو ان له الحق في تقرير مصيره.

 

هذا الموقف العدواني لدولة الكيان الذي يتنافى مع كل القرارات الدولية المتعلقة بفلسطين، يعود أصلا إلى العقلية الصهيونية الاستعمارية الرافضة لفكرة وجود الشعب الفلسطيني، وعلى أيديولوجية وفكرة منحرفة جوهرها ان هذه "ارض بلا شعب لشعب بلا أرض".

 

إن إدراك هذه الحقيقة هي التي يجب الاستناد إليها عند التعامل العقلية التي تحكم كل من هو موجود في دولة الكيان العنصري، وإن تغييب مثل هذا الفهم سوف لن يقود إلا إلى المزيد من التنازلات المجانية وغير المبررة، خاصة وان الجانب الفلسطيني قدم كل ما يمكن أن يتم تقديمه.

 

إن العقلية التي تحكم الكيان العنصري سواء مع وجود المفاوضات أو عدم وجودها، هي عقلية "هات" ثم "هات" ثم "هات" وليس في جعبتها أو قاموسها سياسة أو عقلية "خذ" أو "خذ و هات".

 

إن قبول الجانب الفلسطيني بالعودة إلى المفاوضات، وعدم قيام حركة جماهيرية واسعة ترفض هذه العودة نتيجة عدم وجود فصائل فاعلة على الأرض،لا يعني أن يقوم التيار القابل للعودة بتقديم المزيد من التنازلات، وعلى القيادة الفلسطينية أن تدرك تماما ان الجمهور الفلسطيني يعرف أين هي خطوطه الحمراء، ويعلم أيضا أين هي مصالحه العليا وأين يمكن ويجوز التنازل وأين لا يجوز لا بل وممنوع، كما يعرف تماما المسموح وغير المسموح، ويعلم أين تصبح التنازلات خيانة عظمى تودي بصاحبها إلى الهاوية.

 

ان السبب في عدم قيام حركة جماهيرية فاعلة وقوية على الأرض، يعود إلى حقيقة أن الجمهور الفلسطيني لم يعد يثق بان هذه المفاوضات سوف تؤدي إلى شيء، وهو وفي اللحظة التي سيشعر أن المفاوضات قد تمس الثوابت والمحرمات، فانه سينفجر ليأخذ في طريقه الأخضر واليابس.

 

من يعتقد بأن الجمهور الفلسطيني أصبح مستكينا واهنا لا يقوى على الثورة والانتفاض والمقاومة يكون واهما، وعليه العودة إلى تجربة الانتفاضة الأولى والثانية، كما ان عليه العودة إلى بدايات الربيع العربي التي لم يتوقعها أحد بغض النظر عن الانحرافات التي مست تلك الثورات في المراحل اللاحقة.

 

الصمت والركون الظاهري للجماهير الفلسطينية لا يعني بالضرورة بانها سوف تقبل أو تتسامح بحقوقها التاريخية، وهي بصمتها الظاهري وبقبولها العودة إلى المفاوضات لا تمنح "كارت بلانج" للمفاوض الفلسطيني، ولا تعني ان المفاوضات قد تبيح المحظورات.