من تهويد الجليل إلى تهويد النقب ، ومن وثيقة كنغ 1976 إلى مخطط برافر 2013 ، تتواصل السياسة الصهيونية الإرهابية لاستكمال مخططها العنصري لتهويد فلسطين أرضا وبشرا . ما كانت إسرائيل يوما إلا دولة عنصرية إرهابية، بدأت وجودها بتهجير 850 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم وتدمير مئات القرى وصاحب ذلك مجزرة دير ياسين 10 أبريل 1948 ومجزرة الطنطورة في 23 من نفس الشهر والعام ، ثم مجازر قبية و خانيونس 1956 ،واستمرت السياسة العدوانية الإرهابية لإسرائيل كجزء من عقيدتها الصهيونية واليهودية العنصرية التي لم تقف عند احتلال كل فلسطين وأراضي دول عربية عام 1967 بل تعدت ذلك إلى ارتكاب مجازر فضيعة سواء ضد العرب كمجزرة مدرسة بحر البقر في مصر 8 أبريل 1970 ومجزرة قانا في لبنان 2006 ،أو في مواجهة الفلسطينيين كمجزرة الحرم الإبراهيمي 24 فبراير 1994 ومجزرة مدرسة الفاخورة في 6 يناير 2009 الخ ، وحيث العدوان والاحتلال والاستيطان ومصادرة الأراضي والقتل والاعتقالات والحصار باتت سياسة ثابتة تمارسها ضد الفلسطينيين .
كل ذلك يؤكد أن خطاب إسرائيل عن الديمقراطية والسلام والزعم بأنها دولة صغيرة محبة للسلام مجرد كلام لم يَعُد ينطلي على احد حتى على حلفائها التقليديين في أوروبا الذين تُشير آخر استطلاعات للرأي داخل بلدانهم ومن طرفهم أنهم يعتبرون إسرائيل مصدر تهديد للسلام العالمي ، كما صدرت في أوروبا عديد من قرارات مقاطعة للجامعات والأكاديميين الإسرائيليين ،ومقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، كما أن قادة الحرب الإسرائيليين باتوا يتخوفون من زيارة العديد من دول العالم بما فيها دول أوروبية حتى لا يتم اعتقالهم كمجرمي حرب .
لن نؤرخ لتاريخ الإرهاب للكيان الصهيوني لأن كل يوم من الاحتلال يؤكد على استمرار سياسة الإرهاب، فالاحتلال أسوأ أشكال الإرهاب. ولكننا سنتوقف عند أحدث الجرائم التي تصنف دوليا كجريمة تطهير عرقي وجريمة ضد الإنسانية حيث تقوم إسرائيل بنقل مجموعة سكانية كبيرة من مكان إلى آخر ضدا عن إرادتهم. إنه مخطط برافر – نسبة لأسم مدير التخطيط في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي – وهو مخطط تعود جذوره لوثيقة كنغ عام 1976 وبدأ التخطيط له عمليا منذ عام 2007 وصدرت الموافقة عليه عام 2011 وأُقر في الكنيست بالقراءة الأولى في حزيران الماضي ، وهو مخطط يهدف لتدمير 36 قرية عربية ومصادرة حوالي 800 ألف دونم وتهجير 70 ألف من سكان النقب ، الأمر الذي سيؤدي إلى فصل البدو عن مصدر رزقهم وعن البيئة الطبيعية التي عاشوا فيها منذ مئات السنيين وتجميعهم في أماكن معدة سلفا ،والهدف من ذلك تهويد النقب استكمالا وتواصلا مع السياسة الإسرائيلية لتهويد كل شيء في فلسطين المحتلة .
هذا المخطط الصهيوني له شبيه جرى قبل سبعة وثلاثين عاما ، ومع أن الجريمة السابقة كانت اقل حجما إلا أن ردود الفعل عليها كانت اكبر وأعظم لأن الظروف تغيرت . ففي مارس 1976 هب عرب الجليل ضد وثيقة سرية ( وثيقة كنغ) تم الكشف عنها وسُميت بهذا الاسم نسبة إلى متصرف لواء المنطقة الشمالية الإسرائيلي" (يسرائيل كيننغ) ، وكان مضمون الوثيقة عنصري تماما ، حيث حذر من تزايد نسبة العرب في الجليل والنقب وطالب بتخفيض هذه النسبة وتحويل اليهود للسكن في هاتين المنطقتين ، وطالبت الوثيقة بإفراغ الجليل من الفلسطينيين من خلال الاستيلاء على أراضيهم وتحويلها لليهود الذين سيُجلبون من مناطق أخرى وذلك لتغيير التركيبة السكانية في الجليل والتي كانت تميل لصالح الفلسطينيين . واليوم يهب عرب النقب ضد مخطط برافر لتهويد النقب .
في الحالتين المستهدف هو الشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر والمستهدف أيضا القانون الدولي وخصوصا الإنساني والشرعية الدولية ، والهدف استكمال مشروع تهويد فلسطين أرضا وشعبا أو جعل فكرة يهودية الدولة أمرا واقعا ، والوسيلة هي الإكراه والإرهاب المغلف بقرارات حكومية أو من الكنيست. مع أن وثيقة كنغ كانت تستهدف مصادرة 21 ألف دونم من أراضي الجليل وخصوصا من قرى عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد ، وأدت لهبة يوم الأرض حيث أُعلن عن إضراب شامل في الجليل وفي بقية الأراضي الفلسطينية وأعلن الجيش الإسرائيلي منع التجول في بلدات الجليل وحدثت مصادمات عنيفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين حيث سقط 6 شهداء داخل الخط الأخضر وعشرات الجرحى ، وانتفضت كل فلسطين متضامنة مع فلسطينيي الداخل ، وحتى اليوم يتم تخليد يوم الأرض ،كما أن الجماهير العربية انتفضت متضامنة مع فلسطينيي الداخل الخ ، أما مخطط برافر الذي يستهدف اليوم مصادرة حوالي 800 ألف دونم وتهجير عدد قد يصل 70 ألف عربي فلسطيني ، فان ردود الفعل عليه ليست بزخم وقوة ما جرى يوم الأرض . صحيح أن أهلنا في النقب يقاومون المخطط ويقف إلى جانبهم بقية عرب الخط الأخضر ، وصحيح أن استنكارات وإدانات متعددة صدرت من مسئولين فلسطينيين وعرب وأوروبيين ، إلا أن المخطط يتطلب عملا أكبر وأكثر اتساعا ، حيث الصمت على هذه الجريمة قد يشجع إسرائيل على القيام بعمليات ترحيل اكبر وقد تكون داخل الضفة الغربية أو منها للضفة الشرقية .