أَن المفاوضات المستمرة مع الاحتلال ليس مأمولا، ولا متوقعاً منها، ولا يمكن أَن تنتهي إِلى إِقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في سيادتِه على أَرضه، وإنهاء الاحتلال، فذلك لن يكون جديداً، وخاصة ان هذه المفاوضات استمرت عشرين عاماً ، ولم تسفر سوى عن تكريس الاستيطان و التهويد وتحويل قضية الحقوق الوطنية الفلسطينية إلى نزاع حول مساحات من الأرض وتثبيت للاعتراف بالكيان الصهيوني .
ان وقائع التهويد والاستيطان المستمرة والحديث عن مبادلة بين مساحات المستوطنات الصهيونية في الضفة الفلسطينية ومساحات أخرى من أرض النقب الفلسطيني المحتل ليست سوى حيلة خبيثة لتغطية تصفية قضية فلسطين كليا والرضوخ للهيمنة الإسرائيلية بكل شروطها، وهنا نرى ان تصريحات البعض حول الاستمرار في التفاوض انطلاقا من تبادل الاراضي يعني الاستعداد لتنازلات لاحقة سيكون أخطرها التسليم العلني بسقوط حق العودة و تحريك مشاريع العدو لتوطين الفلسطينيين ولتهجير سكان الأرض المحتلة عام 1948 .
ان ما نراه اليوم من رهان على سياسة اميركية لا يمكن ان يرضى به الشعب الفلسطيني ، لان ما تمارسه الادارة الامريكية من تضليل لشعب متمسكا بارادة الصمود رغم إصرار السلطة الفلسطينية على المفاوضات، وهذا يتطلب من الجميع العمل بإخلاص وبإصرار من اجل تطبيق اتفاق المصالحة وتوحيد الصفوف على برنامج نضالي في مواجهة الاحتلال الصهيوني الذي يواصل سياسته الاجرامية تجاه الشعب الفلسطيني وتهويد القدس وتوسيع الاستيطان.
إن الحديث عن حل عبر المفاوضات اكذوبة كبيرة في ظل سياسة الاحتلال والتهويد والتضييق على الشعب الفلسطيني ، وما يحدث الآن في مدينة القدس والنقب والاغوار مثال صارخ على صحة ما نتحدث عنها. وان الرهان على دول عربية مرتبطة بالمشروع الامريكي هي سياسة تضليل للشعب الفلسطيني والشعوب العربية ، فما هو مطروح من حلول ، وما تجري حوله المفاوضات لا يشكل الحد الادنى المرحلي مما يقبل به الشعب الفلسطيني ، هذا اذا سلمنا ان هناك حلولا مرحلية ، والا فان ما تطالب به حكومة الاحتلال من حلول تحفظ لهم الحق المزعوم في الارض والامن يجعل دماء من بقي عنده دم تغلي وتفور ، واذا كانت المفاوضات الجارية حاليا هي حول ما يتم الحديث عنه حول تبادل الاراضي واعلان دولة منقوصة السيادة اي تدير الشؤون البلدية على جزء من الضفة االفلسطينية ، مع احتفاظ الاحتلال على الجو والحدود مع الاردن وعلى بقاء المستوطنات واستمرار تهويد القدس والتنكر لحق العودة واستبعاد اللاجئين من المعادلة النهائية ، والضمانات الامنية للعدو الصهيوني ومستوطناته ، كل ذلك يؤشر على صفقة لا تحتاج الى ذكاء وتحليل ، ليس هذا فحسب ، بل هي فتنة .
ان القبول باي حل من خلال المراهنة على انظمة أفلست وفشلت ولم تعد مؤهلة لادارة قضاياها الوطنية والمصيرية ، وهي تخلت عن هويتها وانتمائها الى امتها ووطنها ، وأصبحت تطبع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، تتطلب العمل من كافة الاحزاب والقوى العربية والفلسطينية ان ترفع صوتها بمواجهة المخاطر القادمة من خلال سير المفاوضات العبثية ومواجهة القبول باي مشروع يستهدف الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعه ، بمشاركة الدول العربية .
ان ما نسمعه اليوم من تصريحات ومواقف تؤشر بشكل صريح الى صفقة تجري وهي بكل تأكيد ستكون كارثية للقضية الفلسطينية ، وستكون تداعياتها أسوأ بكثير من تداعيات اتفاقية أوسلو ستكون صفعة للفلسطينيين والعرب. وخاصة ان هذه الصفقة تتناول القضايا الرئيسة المتمثلة في الحدود والقدس وحق العودة . وستكون برعاية أمريكية و لمصلحة الكيان الصهيوني ومتطلباته الأمنية ، تحت يافطة حل القضية الفلسطينية .
إنها لعبة شراء الوقت، هذه هي حقيقة ما جرى منذ الاستفراد الأمريكي في شأن المفاوضات وما يجري راهناً لا يخرج عن هذه الحقيقة، كانت لعبة بدأت تحت مظلة تسوية أمريكية غير معروفة المعالم لكنها في الإجمال كانت تدور بهدف إيجاد “بدائل” للشرعية الدولية، وهي تندرج في سياق شراء الوقت الذي لا يضيعه الاحتلال في سياسيته الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية .
ومن هنا نرى ان كيان الاحتلال الصهيوني يواصل إبادته للشعب الفلسطيني وتصفية قضيته العادلة ويدنس المقدسات الإسلامية والمسيحية وتهويد الأرض الفلسطينية سعيا إلى تحقيق أحلامه التلمودية بما يسمى "يهودية" الكيان، فيما يتم تنصيب شمعون بيريز رئيس الكيان الاسرائيلي وجزار قانا مرشدا للمنطقة وملهما لها الذي شنف آذان تسعة وعشرين من وزراء الخارجية العرب وكبار الشخصيات من دول العالم الإسلامي والعربي ’بخطبة عصماء كانت حافلة بالمواعظ والعبر والدروس في معاني السلام والديمقراطية والإنسانية والحرية وحقوق الإنسان وأسس الاستقرار والأمن، وذلك أثناء عقدهم مؤتمرًا أمنيا في دولة خليجية.
ان تبني سياسة المراهنة على حلول منفردة للقضية الفلسطينية على حساب الحلول الاستراتيجية ، تحتاج من الجميع مواقف حازمة تنبع من التمسك بالحقوق الوطنية و عدالتها و شرعيتها و قدرتها على مواجهة التحديات و الاخطار المحدقة بالنضال الوطني وعدم ربطها بالمتغيرات التي تعصف المنطقة .
ان قضية فلسطين في راهنها الجديد لا تختلف عن راهن ملفات أزمات في دول عربية، حيث تتلاقى وتتكامل الأطراف الأصيلة والوكيلة من أجل مواصلة العبث والتخريب لصالح كيان الاحتلال الصهيوني وعلى حساب أصحاب القضية والأزمة؛ أي قيام الوكلاء والأدوات بتنصيب ذاتهم متحدثين ومدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني ، في ظل الحديث الأميركي عن حرصه الاستراتيجي بتوفير الأمن وضمان بقاء كيان الاحتلال الصهيوني، هذا الكيان الذي يعمل في السر والعلن على استغلال التحولات الدولية والإقليمية والعربية الكبيرة، بل التاريخية، وتوظيفها لمصلحة مخططه الرامي لتصفية القضية الفلسطينية، وهذا ما كان واضحا من زيارة كيري الاخيرة التي حمل مشروع خطير حول اقامة إدارة فلسطينية لا تملك أي شكل من أشكال السيادة لا على الأرض، ولا على الجو، ولا على البحر، ولا تملك مرفأها ومطارها الخاصيين بها، أما المعابر إلى مناطق الإدارة فتبقى تحت السيطرة الإسرائيلية أو في أحسن الأحوال، تحت السيطرة المشتركة الإسرائيلية – الفلسطينية .
لهذا نؤكد على ضرورة نقل ملف القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لمطالبتها بتنفيذ قراراتها ذات الصلة وايجاد حل الصراع بشكل متوازن وشامل، من خلال عقد مؤتمر دولي بإشراف الأمم المتحدة بما يضمن حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس وضمان حق عودة لاجئيه إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها.
ختاما: لا بد من القول إن المرحلة تقتضي إعداد برنامج وطني نضالي يضع كل إمكانات الشعب الفلسطيني في المواجهة، ومنها وضع استراتيجية وطنية تستند الى استعادة دور منظمة التحرير الفلسطينية كحركة تحرر وطني تعبر عن إرادة وحقوق وقضايا الشعب الفلسطيني، وتفعيل مؤسساتها على قاعدة الكفاءة والوحدة الوطنية وضخ دماء جديدة لتحمل المسؤولية ، والعودة إلى الشعب الفلسطيني باعتباره صاحب القرار والقادر على تحمل عبء مواصلة الصراع مع الاحتلال حتى جلاءه عن ارض فلسطين وتحقيق الحرية والاستقلال والعودة .