رسالتان، الأولى من أسرة الأسير ابراهيم البيطار، الذي إعتقل من قبل قوات الاحتلال عام 2003 ، بعد أن كان قد اصيب في عينه، ونتيجة للاهمال الطبي كما هي العادة في سجون الاحتلال، لم يعد يبصر بها شيئاً، والأمر لا يتوقف على العين وما لحق بها، ولا عند مرارة الاعتقال والسنوات السبع المتبقية له من الحكم، بل في ذلك المرض الذي تغلغل في جسده والذي أفقده الكثير من وزنه، دون أن يتم تحديد طبيعة المرض وعلاجه، فتارة قيل له أنه فقر دم، وتارة أخرى ذهب الشك إلى "لوكيميا"، ومؤخراً وبعد فحوصات عدة، في مستشفى الرملة التي إنتقل إليها مؤخرا من سجن نفحة لسوء حالته الصحية، قيل أنه يعاني من مرض كرون "Crown’n disease "، وهو مرض يصيب الأمعاء ويلحق بها تقرحات، وإن صح التشحيص فهو بحاجة إلى عناية خاص وبجانب الأدوية هو بحاجة لنظام غذائي محدد.
الأسير لا يتطلع إلى الافراج عنه من معتقلات الاحتلال نتيجة مرضه، فهو يدرك أن الاحتلال لا يحتفظ بشيء من القيم الانسانية، لكنه بحاجة لفريق طبي مؤهل قادر على تشخيص حالته تخرجه من دائرة التخمين التي فاقمت من وضعه الصحي، اسرة الأسير القلقة على وضع إبنها الصحي تتمنى أن تصل رسالتها إلى الجهات المعنية، لتعود إليها بشيء من الطمأنينة التي غابت عنهم منذ آخر زيارة لإبنهم قبل سبع سنوات، وألا تقف العوائق الأمنية حائلاً دون ذلك كما حالت دون زيارة أمه له مؤخراً رغم انها تجاوزت العقد الثامن من العمر.
الرسالة الثانية جاءت من شاب فلسطيني كان يقيم في سوريا قبل أن تدفعه الأحداث لأن يعيش من جديد فصول تراجيديا الشتات الفلسطيني، غادر سوريا مع اهله إلى الأردن، إضطر أن يتخلص لفظاً عن فلسطينيته كي يتمكن من مغادرة المخيم، لم يحتمل شقيقه معاناة العيش عبئاً على غيره، عاد ادراجه إلى سوريا كي يكتب رصاص الاقتتال نهاية لحياته، لم يشأ شقيقه أحمد أن يسلك ذات الدرب، استجمع ما لديه طمعا في هجرة إلى بلاد الغرب عله يجد فيها حياة تحافظ على ما تبقى لديه من الكرامة الانسانية، في طريقه إلى العالم المجهول تراجع وضعه الصحي، عاد ادراجه إلى الأردن بذات الطريقة التي وصلها سابقاً، لم يمهله المرض طويلاً، سكنت الجلطة شرايينه التي ضاقت بفعل الأعباء التي أثقلت كاهلها من فلسطينيته، ليقبع في تشابك معقد، بين مرض بحاجة لرعاية طبية خاصة ومتطلباتها المادية التي يعجز عن الوفاء بها، وتواجده الغير قانوني على أرض دولة محاذية لوطنه الذي لم تكتحل عيناه به، أحمد يحمل وثيقة سفر للاجئين الفلسلطينيين لا تمكنه من تخطي حاجز من حواجز المعاناة الفلسطينية، ولا تكفل له الانتقال من حارة إلى اخرى.
رسالة أحمد كما هي رسالة ابراهيم تطرق جدران الوطن الذي يسكنهما، رسالة كل منهما تحمل عنواناً قد يكون أوسع من مجرد عنوان يعرفه ساعي البريد، عنوان رسالتهما يطرق باب كل منا، لا يجوز لأحد مطالبتهما بالاستئذان قبل أن يقتحما مجالسنا، هنالك تعقديدات ورثناها بفعل فلسطينيتنا، وهنالك الكثير من صناعة أيدينا، واجبنا أن نقلل منها لا أن نسمح بتكاثرها ونموها وإلتفافها على مكونات حياتنا البسيطة، فالوطن ليس بقعة جغرافية نتواجد فيه أو نغيب عنه، بل هو تلك الأم التي تحتضن ابنائها بحواسها ودفيء مشاعرها بعيداً كانوا عنها أم بين ذراعيها، رسالة قد يكون من المفيد أن تذهب لمن يهمه الأمر.
[email protected]