مرة تلو الأخرى مطلوب من غزة أن تدفع فاتورة الجغرافيا المقيتة وإن حاول البعض تجميل الصورة بإنفاذ القانون، وإن ارتفع صوت أبناء غزة ضمن حدود الأدب والاستعطاف، داخل المؤسسات التي لم تعد تعرف ماهيتها، استلت الرماح اليهم بداعي عنصرية الجغرافيا التي يدافعون عنها، قيل الكثير عن هموم غزة حتى بات الجميع يحفظها عن ظهر قلب أسوة بجدول الضرب، قد تجد تعاطفاً معها يتحول أحياناً إلى قرار يبقى أسير الأوراق، وتبقى هموم أبناء غزة القديمة على حالها في انتظار ما يهبط عليها من هم جديد.
اثار قرار حكومة الحمد الله بوقف بدل الاشراف وبدل المواصلات من قسائم رواتب الموظفين ممن هم ليسوا على رأس عملهم حفيظة أبناء غزة، وإن جاء القرار بمسحة قانونية تشمل موظفي السلطة الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا ان فاتورة الاستقطاع تطال ابناء غزة، ولم تتوقف الحكومة قبل أن تتخذ قرارها ذلك البتة أمام واجباتها في تمكين الموظف من ممارسة عمله، وأسقطت في الوقت ذاته مسؤوليتها في دفع الموظفين وإجبارهم على ترك عملهم، يوم أن هددت “سابقتها” بالويل والثبور لمن يخالف تعليماتها في الاستنكاف عن العمل، المصيبة أن حكومة الحمد الله ساوت بقرارها ذلك بين من يتوق للعودة إلى ممارسة عمله وتحول بينه وبين ذلك ظروف قهرية، من المفترض أن الحكومة أعلم بها من غيرها، وبين موظف متسيب لا يمنعه مانع من أن يكون على رأس عمله.
لا يمكن لعاقل أن يقف عثرة أمام انفاذ القانون، ولا يمكن لعاقل أيضاً أن يقبل انفاذ القانون حسب الطلب وبالقطعة وطبقاً لحياكة محددة لمواده، فمن حقنا أن نتساءل أين حكومة الحمد الله من انفاذ القانون فيما يتعلق بتفريغات 2005؟، ألم يتم تعيينهم طبقاً للمصوغات القانونية المعمول بها؟، ألا يعتبر التلاعب بأرزاقهم مخالفة لقانون السماء قبل أن يكون مخالفة لقانوننا الوضعي؟، ألم يصل لمسامعها صوت صراخهم وعويل أبنائهم؟، وأين حكومة الحمد الله من انفاذ القانون فيما يتعلق بوقف الراتب؟، وهل وقف الراتب طبقاً لتقارير كيدية يتماشى مع قانون الخدمة المدنية؟، وأين هي الحكومة من تعطيل اضافة مولود في قسيمة راتب الموظف؟، وأين هي من الحق الذي نص عليه قانون الخدمة المدنية في الترقي لموظفي قطاع غزة طبقاً للسلم الوظيفي؟، واين هي من حق أبناء قطاع غزة أسوة بباقي ابناء شعبنا في التعيينات الحكومية؟، وماذا فعلت لموظفي مؤسسة الصخرة؟، واين أنت من برامج التشغيل للعاطلين عن العمل الذي يتضخم عددهم بشكل يثر القلق حاضراً ومستقبلاً، وأين هموم ومشاكل غزة الحياتية من برنامج الحكومة؟.
لعل قائمة ما لدى العامة من أسئلة بطعم الحنضل تطول ولا مجال لحصرها في هذا المقام، ومن حق المواطن أن يعرف من المسؤول عنه؟، فإن كان هنالك توافق ضمني على إدارة الانقسام فمن المفيد تحديد ملامحه، كي يخرج المواطن "الغزاوي" من المكانة التي وضع فيها قصراً بين مطرقة حكومة رام الله وسندان حكومة غزة.
مؤكد أن حكومة الحمد الله لا تسأل لوحدها عن ما بتنا عليه، فمن سبقتها تتحمل جزء غير يسير من الوزر، لكن المؤكد أن الاجحاف البين يدفعنا للخروج عن دائرة الصمت، رغم معرفتنا المسبقة بأن ذلك سيعد الاسطوانة المشروخة في التصنيف المقيت التي تثير الغثيان في النفس، ويدفع الوسواس الخناس "وهم كثر" لممارسة هوايته، فما يحكم العبد الفقير هو انتماء لوطن قبل أن يكون لحركة افخر بأن أكون احد أفرادها، وأن حلم الوطن الموحد الذي يتمتع فيه المواطن بكامل حقوقه على اي بقعة من جغرافيته هو بوصلتنا، ما يثير الحنقة أن من انبرى دفاعاً عن قرار الحكومة انطلاقاً من "قانونيته" لم نسمع صوته عندما تعلق الأمر بضرب القانون بعرض الحائط وقتما تعلق الأمر بحقوق بينة، يا سادة الحق أحق أن يتبع.