نيلسون مانديلا.. وداعاً شجاعتك الأخلاقية مصدر إلهام لنا

قال الرئيس الأميركي باراك أوباما، يوم السبت 29-6- 2013، إن شجاعة الرئيس الجنوب أفريقي السابق نيلسون مانديلا شكّلت مصدر إلهام للعالم.
وأشار أوباما في خطاب خلال زيارته لبريتوريا في جنوب أفريقيا إلى أن: «شجاعة مانديلا الأخلاقية، وانتقال البلاد التاريخي إلى الحرية والعدالة شكل مصدر إلهام شخصي لي ومصدر إلهام للعالم». وأضاف: إن أفكار الأميركيين هي مع عائلة مانديلا خلال وجوده في المستشفى.
مانديلا مات بعد رحلة حياة نضالية طويلة ضد سياسة الفصل العنصري اعتقل خلالها مدة سبعة وعشرين عاما في غياهب سجون القهر والتدمير، فكان مثلا يحتذى في الشجاعة والتضحية من أجل حرية أبناء جلدته وانعتاقهم من نير الظلم والاستبداد الذي مارسه أناس توهموا أنهم سادة الآخرين فكانت معادلة الصراع بين اللونين الأبيض (المستبد) والأسود (المقهور).
لقد أصاب أوباما كبد الحقيقة، بما قاله عن شجاعة مانديلا الأخلاقية لكنه ما أحوجه لأن ينهل هو من هذه الشجاعة التي شكلت مصدر الهام له (والذي نفسي بيده انه كاذب) وهو رئيس دولة تزعم أنها تقود العالم نحو الحرية والديمقراطية والخلاص من نير الاستعمار والطغيان.
الأسود باراك أوباما (الظالم والمستبد)، والأسود نيلسون مانديلا (بطل النضال ضد الفصل العنصري، بطل الحرية والمشاكس والملهم للآخرين). أليست مفارقة عجيبة؟
مع تسلم أوباما الأسود، قيادة الولايات المتحدة الأمريكية ظن العالم أنه سيغير مسار القوة الغاشمة التي امتازت بها بلاده منذ القضاء على حضارة الهنود الحمر وسرقة بلادهم، وعانى السود من بعدهم ويلات صارخة في حقوقهم ومصالحهم المشروعة على الأرض ذاتها، وأزهق أرواحهم الظلم والطغيان من إخوتهم الأعداء ذوي البشرة البيضاء.
ولأن المسؤولية الأخلاقية ثابتة ولا تتغير، وتمارسها قوة ذاتية تتعلق بضمير الإنسان الذي هو سلطته الأولى، كان الأحرى بأوباما أن يتمسك بالميثاق الأخلاقي الذي تبناه مانديلا، وإن نسي أو تناسى فعليه أن يتذكر تأكيد بول كندي في أكثر من مقابلة معه، وأكثر من مقالة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بأن الإمبراطوريّة الأمريكيّة ساقطة لا محالة ولأسباب كثيرة أهمها وأوّلها: الأسباب الأخلاقية.. فالإمبراطورية الأمريكيّة بلا أخلاق وهذا مقتلها، وهو مقتل كل الإمبراطوريّات عبر التاريخ. هنا لا بد من تأكيد أن قوّة الأخلاق هو ما تحتاجه الإمبراطوريّة، لا أن تغتّر بتفوّقها بأسلحة الإبادة..
لقد قال مانديلا ذات يوم من داخل سجنه : «اتحدوا! وجهزوا! وحاربوا! إذ ما بين سندان التحرك الشعبي، ومطرقة المقاومة المسلحة سنسحق الفصل العنصري»، وفى عام 1985 عُرض عليه إطلاق سراحه مقابل وقف المقاومة المسلحة، فرفض، وبقي في السجن إلى أن تم إطلاق سراحه في بتاريخ 11 شباط/ فبراير 1990 عندما أثمرت جهود المجلس الإفريقي القومي، والضغوط الدولية لإطلاق سراحه، إلى أن صار أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، وفي يونيو 2004 قرر التقاعد وترك الحياة العامة، لأن صحته لم تعد تحتمل أعباء المنصب.
خوموتسو ماكولا (19 عاماً)، طالب جنوب افريقي أسود يدرس القانون، قال «كنا نعلق الآمال على أول رئيس أميركي أسود. ولأنه على دراية بتاريخ أفريقيا كنا نتوقع أكثر»، مضيفاً «أصابنا بخيبة الأمل، وأعتقد أن مانديلا أيضاً كان سيشعر بخيبة أمل». أليست هذه شهادة واقعية أصابت كبد الحقيقة أيضاً.
مانديلا (ماديبا كما يعرف باسمه القبلي) يرقد الآن بسلام بعد أن خاض المعركة الصحيحة، وقد أعلن الرئيس الأمريكي الأسود باراك اوباما في بيان «اليوم خسرت الولايات المتحدة صديقا مقربا وخسرت جنوب إفريقيا محرراً لا مثيل له وخسر العالم مصدر وحي للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية». والسؤال هو لماذا يفعل أوباما خلاف ما يقول؟
يستطيع أوباما مساندة الكيان الصهيوني والإرهاب العالمي والظلم الواقع على كثير من الشعوب المضطهدة ونحن منها، لكنه لا يستطيع تمثل شجاعة مانديلا الأخلاقية، وإلا لكان قرأ جيدا ما كتب على باب أحد المطاعم الفاخرة في الولايات المتحدة «ممنوع دخول الكلاب والزنوج».
نعيم إبراهيم
كاتب و إعلامي
10-12 - 2013