بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى فلسطين التاريخية قبل أيام والتي أكد من خلال تصريحاته المتعددة المتوافقة مع الرئيس الأمريكي أوباما ، بأن الكيان الصهيوني هو المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني التي تملكه الولايات المتحد الأمريكية والحريصة دائماً على نجاحه وتطوره والمحافظة عليه ، ولا يمكن بالتالي لواشنطن أن تقامر وتغامر بأمن هذا المشروع على حساب قيام دولة فلسطينية مستقلة بحدود الرابع من حزيران ، كما أنّ واشنطن لا يمكن لها أن تتخلى عن أساس هذا المشروع الاستعماري في فلسطين القائم على مضمون الوعد التاريخي لآرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين ، وأنّ أرض فلسطين وفق فكر الحركة الصهيونية هي أرض بلا شعب ، وما نقوله هنا ليس جديداً ، وإنما هو الجديد القديم ، فلسطين ليست للفلسطينيين ، قانون برافر يقوم بمصادرة نحو 800000 دونم من أراضي النقب والسعي لترحيل نحو أربعين ألف فلسطيني عن أراضيهم ، كل هذا يؤكد مدى ترابط المشروع الاستعماري الصهيوني ببعضه البعض، سواء على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948 أو المحتلة عام 1967 .
فالمشروع الاستعماري الصهيوني لم ينته بعد على أرض فلسطين ، الأمريكان والصهاينة يعملون ليل نهار على انجازه في صورته الأخيرة التي يجب أن تشمل فلسطين من البحر إلى النهر ، وذلك من خلال مبدأ حل الدولتين ، دولة الاحتلال صاحبة السيادة الكاملة على أرض فلسطين التاريخية ، والدولة الفلسطينية المعدومة السيادة ذات البعد الوظيفي في إطار المشروع الاستعماري الصهيوني واستكمالاً لدور الأردن الوظيفي في حماية هذا المشروع الذي يجب أن يكون محمياً بأدوات عربية .
ولم يكن الانقسام الفلسطيني وسلخ قطاع غزة عن الضفة ردة فعل على مواقف فلسطينية داخلية بقدر ما كان دفعاً خارجياً للوصول إلى هذا الانقسام ، وذلك من أجل القضاء على الجسد الفلسطيني المريض بمرض الفصائلية وجعله جسداً منهكاً لا يقوى على الحراك في وجه المخطط الاستعماري الصهيوني ، ولا يغرّن أحدٌ بنتائج عدواني 2008/2009 و 2012 لأنّ هدف العدوان المستمر على غزة هو أعطاء أوراق واهية لكلا طرفي الانقسام لكي يتمسك كل واحد منهما بموقفه في مواجهة الآخر والإبقاء على الانقسام وتجذيره بشكل أقوى على الأرض .
وجاء الربيع العربي ليخلط الأوراق على الساحة الفلسطينية ، حيث انعكس هذا الربيع العربي سلباً على كل الفلسطينيين المقيمين في الدول العربية ، حيث انخرط بعض الفلسطينيين بشكل مباشر أو غير مباشر في أتون الصراعات العربية الداخلية مما أدى لأن يدفع الفلسطينيون اليوم ثمناً غالياً بأن أصبحوا هم ضحية هذا الربيع العربي ، وأصبحوا المنبوذين في أرض العرب .
أمام كل هذه الطعنات الموجهة للجسد الفلسطيني فلسطينيا وعربياً ودولياً ، وعدم وعي القيادات الفلسطينية لما يجري ، وعدم وصول صرخة وزير خارجية ليبرمان قبل أيام في وجه تحركات شعبنا الفلسطيني في فلسطين المحتلة عام 1948، حيث قال متهما الفلسطينيين ( بأنّهم يسرقون أرضنا )، نجد أنفسنا أمام أمرين إمّا أن نعلن قبولنا بالمشروع الاستعماري الصهيوني على أرضنا الفلسطينية ونصبح جزءاً منه لأننا غير قادرين على مقاومة هذا المشروع بأية وسيلة من وسائل المقاومة ولأننا جعلنا من الاحتلال الصهيوني للأرض المحتلة عام 1967 أرخص احتلال عرفته البشرية ، وأنّ هذا الاحتلال محميٌ من قبلنا باتفاقات هدنة وتهدئة وعدم اعتداء موافق عليها من الكل الفلسطيني ، والأمر الثاني أن نكون على قدر المسؤولية تجاه قضيتنا التي هي قضية أرض وشعب ووطن ونعي جيداً أننا في حالة صراع وجود مع عدونا الصهيوني وليس في حالة نزاع على حدود ، وأنّ حل الدولتين وفق المفهوم الأمريكي الصهيوني هو انتقاص للحقوق الفلسطينية ، ونعود إلى التمسك بكامل حقوقنا التاريخية في فلسطين التاريخية ، وهذا يتطلب استنهاض قوى شعبنا الفلسطيني بكافة أماكن تواجده للتأكيد على أننا في مرحلة التحرر الوطني من أجل انجاز هدفنا الرئيس في عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين المحتلة عام 1948 ، فهل نكون على قدر المسؤولية أو لا نكون .