عرب النقب .. ضحايا الهجرة والاستيطان والتوسع

بقلم: غازي السعدي

كشفت أوراق مؤتمر هرتسليا السنوي السادس متعدد الاتجاهات، الذي عقد بتاريخ 21-1-2006، النقاب عن خطة حكومية إسرائيلية لترحيل مواطني عرب النقب، سواء كان ذلك بالمفاوضات والإغراءات أو القوة، فإسرائيل تُنازع البدو على نحو(700) ألف دونم من أراضي النقب، تحت ادعاءات أن هذه الأراضي ملكية للدولة الإسرائيلية، وبطبيعة الحال فإن المحاكم الإسرائيلية- التي اشتكى إليها أصحاب الأرض- قضت لصالح الدولة، ففي النقب يعيش أكثر من (160) ألف عربي، في نحو (34) قرية، بعد أن أقرت الحكومة بتاريخ 11-9-2011، قرار رقم (3707) لتبني تقرير وتوصيات لجنة إسرائيلية خاصة، شارك بها "زئيف بيغن" ابن رئيس الوزراء مناحيم بيغن، و"اهود برافر" المستشار في ديوان رئيس الوزراء، يقضي بتجميع السكان البدو، بما يسمى "بلديات التركيز"، وهذا المخطط يهدف لمصادرة ما تبقى من أراضيهم، إذ أن نحو (800) ألف دونم يملكونها تمت مصادرتها في أعقاب حرب 1948، نقل الاحتلال بعضهم إلى مناطق أخرى، والبعض الآخر جرى طرده خارج الحدود الفلسطينية، فالقرى غير المعترف بها، يرفض الاحتلال وضع خرائط هيكلية لها، ويحرمها من شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي وتراخيص البناء وخدمات التعليم، والهدف تغيير جغرافية النقب وديمغرافيته، لضمان أغلبية يهودية في أراضي النقب، كجزء من سياسة التهويد.
في الورقة التي جرى مناقشتها في مؤتمر هرتسليا السادس بتاريخ 21/1/2006 والمقدمة من قبل مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، التابع مباشرة لديوان رئيس الوزراء، تدعي إسرائيل بأن هذه الأراضي هي أراضي دولة، وأنها صاحبة الملكية لها، وتدعي بأن أصحابها البدو لا يملكون الكواشين والأوراق الثبوتية لإثبات حقهم على هذه الأراضي، فإذا كانت هذه الأراضي ملكية للدولة الإسرائيلية فكيف تتفاوض الحكومة على تسوية وحل وسط بإعادة 20% من مساحتها لأصحابها، ودفع المال مقابل الـ 80% المتبقية؟ وكيف اشترت الكيرن كييمت لإسرائيل، والصندوق الإسرائيلي التأسيسي وجهات إسرائيلية أخرى، بعض هذه الأراضي من أصحابها البدو، قبل وبعد عام 1948 طالما أنهم لا يملكونها؟ فبدو النقب هم المالكون القانونيون والوحيدون لهذه الأراضي، منذ الفترة العثمانية، وثم الانتداب البريطاني، وفي مرحلة الحكم العسكري الإسرائيلي بعد إقامة إسرائيل، وهناك وثائق تفيد بأن الحكم العسكري الإسرائيلي اعترف بذلك حتى عام 1967، وبعد حرب الأيام الستة بدأت الأمور تنقلب رأساً على عقب، وبدأ التآمر على أراضي البدو في النقب، ألم ير الإسرائيليون البدو وهم يقيمون في هذه الأراضي منذ ذلك الحين، يزرعونها، ويرعون ماشيتهم؟ فالبدو لم يبتعدوا عن أراضيهم، لكن الاحتلال هو الذي كان يبعد قسماً منهم بالقوة عن أراضيهم، وأن قضية الكواشين لدى البدو هي قضية ثانوية، إذ أن الكثير من الأحداث حالت دون حصولهم على الكواشين، وإسرائيل تعرف وتعترف ضمنياً بأنهم –أي البدو- أصحاب هذه الأراضي، ونتساءل: كيف تم تسجيل بعض هذه الأراضي، التي بيعت لسبب أو لآخر، لمؤسسات يهودية في الطابو على أسماء مشتريها، وأقاموا عليها مدناً ومستوطنات ومزارع، فهل أن شراءها كان فاسداً؟
الحكومة الإسرائيلية تذرعت بقانون "برافر" لتطوير وتسوية الأراضي في النقب، ولتحسين حياة السكان البدو، غير أن واقع القانون فرض "غيتو" على البدو، بتحديد منطقة خاصة إلى الشرق من الشارع الرئيسي الموصل لمدينة بئر السبع، لإقامتهم عليها، فهو قانون عنصري اثني يتبنى سياسة نظام "الابرتهايد" البائد في جنوب إفريقيا، وسياسة "الترانسفير" كجزء من خطة للاستيلاء على أراضيهم، فقد أقرت الحكومة الإسرائيلية، إقامة مستوطنة لليهود المتدينين، مكان قرية "وادي الحيران" البدوية، وإقامة مستوطنتين مكان قريتي "كيف" و"حيران" البدويتين، ونقل معسكرات الجيش من وسط إسرائيل إلى النقب، وبناء مطارات وقاعدة استخبارية، ومجمعات عسكرية، إضافة لإقامة (15) مستوطنة، و (85) مزرعة، لاستقطاب (300) ألف مهاجر يهودي حتى عام 2020، وهذه السياسة والمخططات، متوائمة مع الأسس التي قامت عليها الحركة الصهيونية لوضع اليد على دونم هنا ودونم هناك لزرعها بالمستوطنات والمستوطنين، فالخطة التي تحمل اسم "برافر"، جزء من سياسة التطهير العرقي لسلب أراضي وتهجير الفلسطينيين، وصولاً إلى ما يسمى بيهودية الدولة النقية من "الغوييم" أي الغرباء، حيث يطلقون على أصحاب الأرض والبلاد والوطن بالغرباء.
في عام 1948 دمرت إسرائيل (88) قرية عربية في النقب، ورحلت بعضهم إلى خارج الحدود، إلى قطاع غزة، وإلى سيناء، وإلى مصر والأردن، وأن مخطط "برافر" هو استمرار لهذه السياسة، لتقييد البدو في أقل مساحة من الأرض، وهذا هو لب وهدف المخطط الذي يحمل اسمه، فأصحاب الأراضي تقدموا إلى السلطات الإسرائيلية بـ (3220) طلب لإثبات ملكيتهم على أراضيهم، إلا أن السلطات الإسرائيلية، ومحاكمها، لم تستجب ولو لطلب واحد لصالح المطالبين بتثبيت ملكيتهم على أراضيهم، فالمشروع الإسرائيلي مؤامرة ظلماء ضد مواطنين ذوي حقوق تاريخية، يتطلب وواجب على كل من يتبنى القيم الإنسانية، مد اليد في كفاح أصحاب أراضي النقب المرير ضد محاولة تشريدهم وسلب أراضيهم.
لقد أظهر بدو النقب نضالاً مستميتاً لمنع تمرير هذا المشروع الإسرائيلي اللئيم، فهم يتظاهرون احتجاجا على هذه السياسة الحمقاء، تظاهروا في القدس أمام مكتب رئيس الوزراء، وفي العديد من الأماكن، ويتضامن سكان الجليل والمثلث مع بدو النقب ويشاركونهم في المظاهرات، يشتبكون مع الشرطة ويعتقلون، فإذا كانت الشرطة بإثارتها ضجة إعلامية ضد المتظاهرين، والتحريض عليهم، بمجرد طعن جندي خلال مظاهرات النقب، فماذا يتطلب منهم عمله حين يحاولون نزع ملكية أراضي البدو؟ ومثالاً على هذا التمسك بالأرض، فقد قامت جرافات الاحتلال، بحماية العديد من قوات الشرطة والأمن الإسرائيليين أثناء هدم قرية تحمل "اسم العراقيب"، للمرة رقم (65) في أقل من أربع سنوات، متذرعة بعدم وجود تراخيص بناء، التي لا تمنح لهم، فمواطنو هذه القرية، وبمؤازرة مواطني القرى المجاورة، يقيمونها من جديد المرة تلو الأخرى، في الوقت الذي طالبت فيه منظمة العفو الدولية الحكومة الإسرائيلية، بالتوقف فوراً عن هدم بيوت البدو في النقب، وقد عقدت الكتلة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي مؤتمراً خُصص لموضوع بدو النقب، رُفعت خلاله لافتة وصفت فيها ما تقوم به إسرائيل بالتطهير العرقي.
النواب العرب في الكنيست، الذين اعترضوا بشدة على قانون "برافر"، لدى مناقشته في الجلسة العامة للكنيست ، مزقوا أوراق المشروع في جلسة الكنيست، وأمام أنظار وسائل الإعلام والفضائيات، فقد رد النائب أحمد الطيبي على التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية سيئ الذكر "افيغدور ليبرمان"، والتي وصف فيها البدو بأنهم لصوص أراضي، مشيراً إلى أن هذه الأراضي ملكاً للشعب اليهودي، مطالباً بتغيير ما يسمى بالميزات الحكومية المعروضة على أصحاب الأراضي، بل طالب بالاستيلاء عليها بالكامل، وكان رد النائب الطيبي عليه هذه وقاحة مهاجر فبدو النقب لم يسرقوا الأرض، ولم يأتوا إلى هنا بطائرة أو سفينة، فهم في هذه الأرض وهذه البلاد قبل "ليبرمان" وقبل إقامة إسرائيل، فاتهام النواب العرب بتحريض بدو النقب، وكأن هناك حاجة لتحريض أصحاب القضية والحق فقد أعلن النواب العرب أن إقرار القانون يعني حالة إعلان حرب على الفلسطينيين.
إن هذه الاحتجاجات والمظاهرات قد أيقظت بعض نواب الكنيست اليهود من سباتهم، إذ أن (40) نائباً يهودياً بينهم (11) نائباً عربياً صوتوا ضد القانون، في حين جرى تمريره بتأييد (43) نائباً فقط، أي بأغلبية ضئيلة، فالقانون وصمة عار وتحقير على جبين الحكومة والكنيست، يتجاوز جميع الحدود، وهذا يعني أن المطلوب المزيد من النضال في الداخل لإلغائه، وعلى الدول العربية والجامعة العربية عدم البقاء متفرجين كالشاهد الذي لم ير شيئا، بل عليهم العمل على جميع الصعد، لمنع مصادرة أراضي بدو النقب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ