منخفض دون منخفض

قال تعالى : ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون *)

وقع قطاع غزة ضمن ما وقعت به بلاد الشآم في بؤرة المنخفض الجوي الذي ضرب المنطقة كاملها ، وكانت رعاية الله سبحانه وتعالى ورحمته سابقة لبلائه ، رغم ما فيه شعبنا الفلسطيني المجاهد من حصار الأشرار ، أعداءً وجيراناً ، ورغم أن القطاع يفتقر إلى البنية التحتية ، إلا أن الله سبحانه وتعالى سلم ورأف بعباده ، فلم يطل هذا المنخفض ، وسرعان ما انحسر ، وكان فضل الله علينا عظيماً . نحن نعلم أن الحصار كان سبباً في توقف كثيرا من المشاريع البنيوية في قطاعنا الحبيب ، ونعلم أن كثيراً من الطبقة العاملة انضمت إلى فئة البطالة لعدم وجود أعمال يقومون بها . كل ذلك له فترة من الزمن ثم يمضي ، وتنتهي آثاره الصعبة بالترميم أو العلاج أو التعويض . أما المنخفض الذي لا يمكن أن يجبر صاحبه عندما ينخفض في حقوقه ومتطلبات شعبه إلى ما لا يمكن أن يقبله عاقل في عالمنا الإسلامي ناهيك عن عالمنا العربي . أعني بذلك الحديث الذي يدور بين المفاوضين العبثيين عن توقع توقيع اتفاقيات انتقالية مع المحتل الصهيوني برعاية صهيوأمريكية خالصة ، لمدة زمنية قد تصل إلى (15) خمس عشرة سنة . وتجزئة ملفات القضية الفلسطينية الأساسية وهي حق العودة ، وإقامة دولتنا الفلسطينية الحرة بسيادة وطنية وعاصمتها قدسنا المقدسة . إن التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات هو تمييع للقضية ، وإعاقة جديدة أمام شعبنا ، ومؤامرة واضحة تستهدف حقه بالمقاومة بكل أشكالها وصورها , وعلى رأسها المقاومة المسلحة التي يخشاها العدو أكثر مما يخشى الله سبحانه وتعالى . كما أن التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات يعتبر هدية مجانية للعدو الصهيوني الغادر ، وطوق نجاة للاحتلال الذي ما زال مصراً على عدم الاعتراف بحقوق شعبنا الوطنية في التخلص من الاحتلال الصهيوني اللئيم ، وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة على كل تراب وطننا المحتل منذ 1948م إلى اليوم . كما يعتبر التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات نجاة للراعي الصهيوأمريكي للمفاوضات بحفظ ماء وجهه الكالح ، لأنه حدد تسعة أشهر سقفاً زمنياً للوصول إلى اتفاقيات نهائية بين الصهاينة الغاصبين وبين الفلسطينيين المظلومين، ويخرجها من مأزقها ، ويعيد إليها صدقيتها التي فقدتها خلال الأربعة العقود الأخيرة ، حيث كانت الحضن الدافئ للعدو ، والحامي له من كل إدانة في هيئة الأمم ، والمحافل الدولية ، حتى استطاعت أن تقنع المفاوض الفلسطيني الأبله بقبول الولايات المتحدة الأمريكية بإداراتها المختلفة لتكون الحكم بين الفلسطينيين من جهة والصهاينة المحتلين من جهة أخرى ، وهي التي تعلن كل يوم أن مهمتها حماية الكيان الصهيوني من كل غائلة أو نائبة تحل به ، أو من المتوقع أن تحل به ، أو أي إدانة مهما كانت في المحافل الدولية . ولا ننسى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تمد العدو الصهيوني بكل ما يحتاج من السلاح ، وما يجعله متفوقاً على الأمة العربية جميعاً ، كما أن هذه الاتفاقيات بخطورتها المتوقعة ستجعل العدو المحتل يتحرك براحة تامة ، موفرة له الغطاء السياسي ، لخلق وقائع جديدة على الأرض كتهويد القدس بكاملها ، ومساعيه لبناء الهيكل المزعوم ، ومحاولته إدخال الشمعدان لإقامة شعائر دينهم المحرف ، وتوسعة المغتصبات القائمة ، وإقامة مغتصبات جديدة ، مع ترسيخ سياسة أمنية جديدة ، كجعل منطقة غور الأردن تحت الحماية الصهيونية ، والتوقيع على معاهدات بين سلطة أوسلو في المقاطعة وبين الأردن وبين الصهاينة في توصيل البحر الأحمر بالبحر الميت ، ولا أدري لم كانت سلطة أوسلو ثالثة الأثافي في هذه المعاهدات التي لا ولن يستفيد منها شعبنا بأدنى شيء . كل ذلك يعتبر منخفضاً إجرامياً من الناحية السياسية والوطنية والأخلاقية ، لا يمكن أن يدانيه أي منخفض جوي يمر خلال أيام وتنتهي أثاره بانتهائه ، أما هذا المنخفض لن تنتهي آثاره إلا بتحرير الأرض ممن اغتصبها واستغل البله من المفاوضين أسوأ استغلال يعود بآثار القضية إلى الوراء . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .