تعتبر حقوق الإنسان من موضوعات الساعة المهمة التي تحدث عنها الدول و الإفراد على حد سواء بل اعتبرت هذه الحقوق مقياسا لتطور الأمم وتقديمها ,مما دفع الكثير من الدول إلى المناداة بحقوق الإنسان على الرغم من اعتماد ذلك كشعارات براقة دونما تنفيذ .
وان المناداة بحقوق الإنسان لا يعد كافيا ,بل لابد من تحسين ذلك بشكل قانوني ,لان المهم ليس الاعتقاد بشئ, بل الأهم من ذلك تحسين الشيئ بتنظيم قانوني ,ثم الانصراف إلى تنفيذ ما ينطوي عليه التنظيم القانوني من خلال المؤسسات القانونية التي تكفل الوصول إلى حماية الإنسان وإكرامه .
وقد حصل ذلك بالفعل بصدور العديد من الإعلانات و المواثيق الدولية و الإقليمية, ومن ذلك إعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948م, الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان 1950م, و الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان 1969م و الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان 1989م.
على أن الحقوق العامة أن توظيف باتجاه الحماية اللازمة للإفراد من حيث حياتهم وحريتهم ودينهم ومالهم ,كحق الإنسان في الحياة ,وحقه في إبداء راية ,وحقه في الاجتماع بغيره,وتوفير الحرية له في السكن وحرمته وحرية الإقامة و المراسلات و اختيار طريقة الحياة في العمل و الزواج وحقه في التملك و التعليم وما شاكل ذلك .
ومما يميز هذه الحقوق أنها تثبت لكل إنسان, وطنيا كان أم أجنبيا دون النظر إلى اعتبار آخر كالجنس أو اللون أو الدين وغير ذلك مما يضيف على الأمر صفة عالمية تصنع البشرية من جديد أمام وحدة مصير من نوع خاص.
أصل فكرة حقوق الإنسان وإطارها الفلسفي
وترتبط قضية حقوق الإنسان بشكل جذري ومباشر بوجود هذا الإنسان نفسه, وقد نشطت العلوم جميعا, وسخرت نظرياتها ومناهجها لتنظر في ماهية الإنسان باعتباره كائنا حيا يختلف عن غيره من الكائنات الحية.وقد نظر أفلاطون وأرسطو في النفس الإنسانية كعنصر أساسي في وجود الإنسان. ونظرا إلى هذا العنصر كجوهر لوجود الإنسان .والواقع أن هدف العلم الأرسطي إنما النفس الإنسانية و ليس الإنسان .
أما الفارابي يري النفس كمال الجسم ,وأما كمال النفس فهو العقل ,والإنسان في حد ذاته كائن اجتماعي لا يستطيع العيش منفردا ,والأفكار القائلة الفردية تبقى مجرد أفكار فلسفية .
لا تجد لها تطبيقات عملية, إذ أن التجارب الاجتماعية أثبتت انتماء الإنسان إلى جماعة.فالفرد و المتجمع مفهومان, وحياة الفرد لا تستوي إلا ضمن مجتمع ينتمي إليه بالولادة أو الاختبار فالسلطة ضرورية للمجتمع من اجل تنظيمه و الحد من النزاعات السلبية فيه ,و الحرية ضرورية للطبيعة الإنسانية وتاريخ المجتمع الإنساني وحضاراته ودولة ,وهو في حقيقة سجل طويل لعلاقة السلطة القائمة في المكان و الزمان بالحرية.
ولكي نفهم الإطار الفكري و الفلسفي لحقوق الإنسان, لابد لنا من عودة سريعة إلى ما مضى من تاريخ, لنتابع واقع الإنسان من حيث علاقته بأخيه الإنسان أو بالسلطة القائمة أيا كان نوعها.
حيث تمكنت المدرسة الرواقية من الاتجاه بفلسفتها وجهة إنسانية فنادت بإلغاء الفوارق الاجتماعية بين الناس في المجتمعات كافة ,وذلك من خلال اعتماد مبادئ القانون الطبيعي الذي يخضع له الفرد و الدولة على السواء ,و الذي يجب الاعتراف بسيادته على القوانين الوضعية كافة ,إذا تعارضت معه .
وقد ترك انتشار مفاهيم مدرسة القانون الطبيعي إثارة على مفكري القرنين السابع عشر و الثامن عشر الذي توقفوا عند فكرتين أساسيتين :
1. امتلاك الفرد لحقوق طبيعية ملازمة لطبيعته الإنسانية .
2. وجود (حالة فطرية ) كان يعيش فيها الإنسان حراً قبل نشوء الدولة.
وجاء (جان جاك روسو ) ليعلن في كتابه العقد الاجتماعي أن التوفيق بين السلطة و الحرية إنما يكون عن طريق العقد الاجتماعي الذي يتعهد فيه الإنسان بالتنازل للمجتمع أو الأمة وليس للحاكم عن حقوقه الطبيعة كاملة ,دون أن يحتفظ منها شئ وتتمثل السلطة في المجتمع في رايه في الإدارة الأغلبية .
ويرى مونتسكيو في كتابه (روح القوانين ) إن الحرية ستحقق يوم تقوم السلطات في الدولة المستقلة تمام الاستقلال الواحدة عن الأخرى بمعارضة بعضها بعضا .السلطات الثلاث التي تتألف منها الدولة هي التشريعية و التنفيذية والقضائية .حيث مبدأ فصل السلطات الثلاث يعتبر من الوسائل القانونية الأساسية لحماية الحرية.
ويرى أصحاب المذهب الفردي ,أن الحرية الفردية وسيلة لتقدم الفرد و المجتمع ,وان تمتع الإفراد كاملا بحقوقهم وحريتهم ,ويؤدي إلى نمو شخصياتهم وقدراتهم ,ولكنه كذلك يؤدي إلى تقدم المجتمع وازدهاره .
فالحرية:هي سعادة للفرد واحدة من المعوقات الأساسية للمدنية و الحضارة و التربية الاجتماعية ,و الصحية , وجزء لا يتجزأ منها جميعا.
مفهوم الحرية :
(ان كلمة الحرية ): من أكثر الكلمات التي تتردد في الأفواه, وهي تتردد في الحديث اليومي مرارا, وتستعمل في الصحف و المناقشات البرلمانية, وفي الخطب و المؤتمرات وفي المنظمات الدولية والإقليمية.
ويذهب البعض إلى أن الحرية تعني ذلك الخير الذي يمكننا من التمتع بجميع الخيرات الأخرى , وهي تعني قدرة الإنسان على اختيار سلوكه بنفسه,بينما يرى آخرون أن الحرية تعني (قدرة الإنسان على فعل ما
يريده ).وفي هذا الاتجاه يقول فولتير:( عندما اقدر على ما أريد هذه حريتي ).
هذا يعني أن الحرية ليست مجرد أمنية أو حلم أو وهم . وإنما هي إرادة و استطاعة .
وأخيرا فان الحرية لدى البعض تعني سلطة السيطرة على الذات وبموجبها يختار الإنسان بنفسه لتصرفاته الشخصية ,ويمارس نشاطاته دون عوائق أو اكراه .
(أما الحريات العامة ):فهي ذلك النوع من الحريات الذي لا يظهر إلى الوجود القانوني الا بتفرعاته ووجوده العلمي . فإذا به مجموعة من الحقوق والإمكانيات المعطاة للفرد , وإذا الأمر يتعلق بحريات تظهر بالجمع و ليس بالفرد فان هذه الحريات (عامة ) هو تعبير شائع في اللغة القانونية , فيقال ( القانون العام ,المرفق العام ,القطاع العام ) للدلالة على دور الدولة في كل هذه المجالات .
(فالحريات العامة ): هي القدرات المكرسة بموجب القوانين الوضعية ,للسيطرة على الذات والتحكم بها .فالعلاقة إذا وثيقة بين الحريات العامة و الدولة ,وبالتالي لا يمكن الكلام عن الحريات العامة , ولا تصور وجودها إلا في إطار نظام قانوني محدد .
وقد تكون واجبات الدولة حيال الحريات العامة سلبية أو ايجابية .
فقد تكون من واجب الدولة عدم المساس بسلامة جسم المواطن وعقله وتكاملها ,وهنا يكون واجبها سلبيا وربما يكون واجب الدولة أكثر صعوبة عند يتعين عليها العمل على خلق فرص عمل للمواطنين أو تمكينه من الاستماع بأوقات فراغه , وهنا يكون واجب الدولة ايجابيا .
تقسيمات حقوق الإنسان:
1- الحريات الشخصية و مكوناتها تعتبر الحريات الشخصية أهم الحريات على الإطلاق طالما أنها تتعلق بنفس الإنسان وبكرامته .
ومن أهم الحريات الشخصية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان:
أ- حرية التنقل و الذهاب والإياب سواء كان داخل بلده أو منه إلى الخارج و بالعكس .
ب- وحق الإنسان في الأمن الشخصي و التمتع بكامل الحرية في حياته الخاصة من خلال حقه في تكوين أسرة و المحافظة على حرمة منزله.
ت- وعدم التدخل في خصوصياته كمراسلاته على سبيل المثال .
ث- الإضافة إلى ضمان حرية الإنسان في كيانه البشري .
ج- وعدم تعرضه لعمليات التعذيب.
ح- أو التجارب الطبية دون رضاه للأغراض العلمية وفقا للشروط القانونية.
2- حريات الفكر و مكوناتها :
إن الكلام عن حريات الفكر يقتضي.
البحث في حرية الرأي و التعبير:
فلا بد أن يسمح للإنسان إبداء رايه بكل الوسائل لكي يسهم في تطوير أداء الآخرين وتقويمها ونقدها, حينما يكون ذلك في إطار القيم الأخلاقية الاجتماعية و القانونية المعروفة.
ولا بد أن يمنح الإنسان أيضا حرية اعتناق العقيدة أو الدين الذي يريد لا إكراه في هذا الأمر الذي تمثل علاقة الإنسان بربه.
ومن مظاهر هذه الحرية :
حرية الصحافة التي تعتبر اليوم سيفا للرقابة وعينا مفتوحة لإحصاء السلبيات والممارسات الخاطئة ,خصوصا تلك التي تصدر باستمرار من السلطة ,نلاحظ أن الصحافة قد اعتبرت السلطة الرابعة ,أي أنها أضيفت للسلطات التقليدية المعروفة ,ولا ننسى أجهزة الإعلام المهمة الأخرى التي تحتاج إلى هامش معقول من الحرية لكي توصل رسالتها الإعلامية ,وفي مقدمة ذلك الإذاعة والتلفاز .
3- حريات التعبير الجماعية ومكوناتها :
يحتاج العصر الحالي إلى التعاون الايجابي بين الإنسان وأخيه ذلك التعاون الذي يأخذ شكل الاجتماع السلمي أو تكوين الجمعيات على اختلاف أشكالها ,وبأهداف اجتماعية أو ثقافية أو رياضية أو علمية وغيرها .ويتسم عصرنا الحالي بالمناداة بالديمقراطية و التعددية الحزبية ,ولا يتحقق كل ذلك إذا لم يستطيع الإنسان التعبير عن رايه في تجمعاته وجمعياته وتنظيماته السياسية .
4- الحقوق الاجتماعية:
مثل حق العمل, حق الانضمام إلى النقابات المهنية وتوفير الضمان الاجتماعي له وحمايته من البطالة.
5- الحقوق الاقتصادية:
حق الملكية وأساسه الفلسفي والتي تتجلى في حرية الإنسان في الكسب والتملك.