سيعود وزير الخارجية الامريكية جون كيري هذا الاسبوع لزيارة منطقتنا لتكون الزيارة الثانية عشر له خلال هذا العام، في سعي منه لحث السلطة الفلسطينية وإسرائيل على التقدم في العملية التفاوضية، بعد ان اعلن أن تقدماً حصل في جهوده الرامية إلى التوصل لاتفاق انتقالي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من دون الكشف عن مضمون هذا التقدم.
يجري ذلك في الوقت الذي تضع اسرائيل العراقيل ومحاولتها إضافة ملفات تفاوضية جديدة إلى مفاوضات الوضع النهائي لم تكن معروفة سابقاً، مثل "يهودية الدولة"، فإسرائيل بدأت حملة تهدف إلى الحصول على اعتراف الدول الأوروبية بها دولة لليهود.
بالإضافة الى محاولتها وضع ملف جديد اسمه غور الأردن على الطاولة، من خلال تقديم ملف الغور على أنه منفصل عن الملف الأمني، علماً أن اتفاقات أوسلو تنص على ست قضايا لمفاوضات الوضع النهائي يجري التفاوض عليها للتوصل إلى اتفاق سلام شامل، هي، الحدود والقدس واللاجئون والمستوطنات والأمن والمياه.
إسرائيل تهدف من ذلك الى استمرار التفاوض من اجل فرض وقائع جديدة على الارض، و الخروج من العزلة الدولية التي تتعزز يوميا والتأثير على حركات التضامن والمقاطعة الدولية، وإفشال نشاطاتها و التي نجحت في احراج اسرائيل وعزلها في كثير من القضايا، كما تم مؤخراً من قيام اكبر جمعية اكاديميين امريكية بإقرار مشروع قرار بفرض المقاطعة الاكاديمية على اسرائيل.
وكانت شركة مياه الشرب الهولندية "فيتنز" قطعت الأسبوع الماضي، على خلفية هذا النشاط، علاقاتها مع شركة المياه الإسرائيلية "مكوروت". كما أبلغت الحكومة الرومانية نظيرتها الإسرائيلية بأنها ستتوقف عن إرسال عمال بناء إلى إسرائيل لرفض الأخيرة التعهد عدم تشغيلهم في مشاريع بناء في تلك المستوطنات.
كذلك توقفت جنوب أفريقيا عن استيراد منتجات يتم تصنيعها في البحر الميت "لأن مصدرها خارج الخط الأخضر". كما ذكرت تقارير صحافية اسرائيلية إلى أن جنوب أفريقيا أبلغت شركات بريطانية وفرنسية كبيرة نيتها وقف نشاطها في أراضيها لتعاطيها مع المستوطنات. بالإضافة إلى التحذيرات التي أطلقتها الحكومة البريطانية هذا الأسبوع لرجال الأعمال فيها من مغبة الاستثمار أو تحويل أموال أو اقتناء عقارات في المستوطنات "خشية تضرر سمعتها وتعرضها إلى المقاضاة".
كيري يسعى بشدة من اجل انجاز اتفاق تصفية للقضية الفلسطينية، و ممارسة الضغط على القيادة السلطة وتقديم الاغراءات المالية، في المقابل لم يستطع الضغط على اسرائيل من اجل تجميد الاستيطان، وفي نفس الاطار يقوم الاتحاد الأوروبي بنفس الدور حيث جد استعداده لتقديم صفقة غير مسبوقة من الدعم السياسي والاقتصادي والأمني للفلسطينيين والإسرائيليين عند التوصل إلى اتفاق سلام نهائي.
كما جاء البيان الذي أصدره عقب اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد في بروكسل أمس الاثنين 16/12/2013، وقال فيه: " إن الوصول إلى اتفاق سلام سيفتح مجموعة واسعة من الفرص للتعاون مع الاتحاد الأوروبي لكل من إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية، بما في ذلك زيادة الوصول إلى الأسواق الأوروبية، كما سيعزز الترابط الثقافي والروابط العلمية، والاستثمار في الاتحاد الأوروبي في دعم الوصول وتيسير التجارة والترتيبات التجارية، فضلاً عن تعزيز التعاون الأمني مع كلتا الدولتين".
المفاوضات الجارية هي مفاوضات مصلحة و مستوجبة وضرورية لإسرائيل، الهدف الأسمى لها هو ان تكون دولة يهودية في حدود آمنة، وايهام العالم ان اسرائيل معنية بالتوصل على حل سياسي فهي مستمرة بالمفاوضات من اجل رفع العزلة عنها فهي لن تقدم أي شي في القضايا الاساسية ولن تتنازل عن أي شبر من وأن هناك إجماعاً صهيونياً على ذلك، ولن تسمح للفلسطينيين بحق العودة بالعودة الى وطنهم الأم، الذي اقتلعوا منه بالقوة.
غالبية الفلسطينيون أصبحوا على قناعة ان المفاوضات الجارية هي مفاوضات من اجل تصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية، فالشك قائم في عدم وضوح وجدية القيادة الفلسطينية التي تدير المفاوضات، ويعبرون عن قلقهم من استمرارها في ظل التعنت الاسرائيلي ووضوح الاهداف لديهم.
وعلى رغم من التصريحات الصحافية الخجولة التي تصدر عن بعض المسؤولين في السلطة الفلسطينية عن تعنت الحكومة الإسرائيلية وعدم التقدم في المفاوضات، إلا انه على السلطة الفلسطينية ان تعمل على وقف تلك المفاوضات التي تعطي الجانب الاسرائيلي ضوءاً اخضر في الاستمرار ببناء المستوطنات و شرعنتها، و فرض العقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين، والتنكر الاسرائيلي لحقوق الفلسطينيين العادلة.
وما التصريحات الخجولة التي صدرت وتتحدث عن انه أمام الشعب الفلسطيني خيارات سلمية كثيرة للنضال من اجل دحر الاحتلال، ما هي إلا تصريحات تتردد منذ سنوات من دون القيام بفعل أي شيئ حقيقي على الارض، و يحب تفعيلها من خلال موقف وطني موحد، وإنهاء الانقسام، والاتفاق على استراتيجية فلسطينية تعيد للقضية الفلسطينية الاعتبار وحيويتها ووهجها في الساحة الفلسطينية والعربية والدولية.
مشروعنا الوطني يمر بمرحلة صعبة وخطيرة، والأوضاع تزداد سوء يوما بعد الاخر منذ اكثر من عشرين عاماً، وحالنا في تراجع و أهدافنا غير واضحة وليست موحدة ومضطربة والانهيارات متتالية والانقسام عمقها، ولا قيمة للوقت لدينا لنجترع تجاربنا، من دون ان نفكر في مراجعتها وتقييمها، وإعادة البناء لمؤسساتنا المثخنة بالفساد والإقصاء والتفرد والاستئثار.