وتبقى غزة رقم المعادلة الصعب..!!

بقلم: محمد فايز الإفرنجي

يسعون دوما لكشف سترها وتعرية مفاتنها أمام العالم, يأكلون لحمها وهي لازالت حية ترزق, يحاصرونها, يقطعون عنها المحروقات يحرمونها من الكهرباء, غزة تجوع بما تحمله الكلمة من معنى لتبقى أداة من أدوات التسول وجني الأموال وتحصيل المكاسب الحزبية وحتى الشخصية!

غزة تعرضت لنكبة جديدة تضاف إلى نكباتها التي تتقلب صفحاتها منذ سبع سنوات هي عمر الحصار الظالم المفروض على القطاع من قبل الاحتلال ويمارسه الأشقاء العرب بكل دقة وأمانة متناهية تماشيا مع رغبات المحتل, وأصعب ما في الأمر أن رئاسة السلطة الفلسطينية تنحاز للاحتلال بحصاره على غزة وتتعامل معها كأنها كيان معادي.

غزة التي تتعرض لكافة أشكال الإجرام سواء بالحروب التي تشن ضدها من قبل الاحتلال والتي تجسدت بحرب "الفرقان وحجارة السجيل" ناهيك عن التوغل وحملات الاغتيالات التي تطال قادتها سواء السياسيين أو العسكريين.

تتعرض دوما هذه البقعة الصغيرة من الأرض الفلسطينية إلى كافة الإجراءات القمعية والإجرامية من حصار ودمار وحروب واغتيالات وحملات إعلامية لا تقل فتكا عن قذائف الاحتلال المدفعية ولا صواريخ طائراته الحربية, معبر يغلق على شعب وحينما يفتح تتعطل حواسيبه, شعب يدفع ثمن الكراهية الحزبية بين الأطراف المحيطة به يراد منه أن يكون الأداة التي تسقط أعداء النظام القائم بمصر, وان يرضي الاحتلال بعنجهيته, وان يحمل عباس وسلطة على الأعناق وهي عائدة للتحكم بغزة أرضا وشعبا!!

حتى في نكبته الطبيعية والكارثة التي أصابته ثم استغلالها لتكون أبشع أداة يمكن تسليطها على رقاب شعب يتعرض للموت غرقا في وقت يفتقر فيه لأبسط مقومات الحياة بفعل حصار جاسم على صدره منذ أعوام!

كانت الصورة قاتمة قبل أن تنقشع الغيوم السوداء التي حجبت غزة عن الكون وعزلتها عن العالم أكثر مما هي معزولة, ومع غرق شوارعها وأحيائها ومساكنها ومناطقها لم يترك الاحتلال لها متنفس فزاد من صعوبة الأوضاع ففتح عليها السدود طمعا بان تتحقق أمنيتهم بغرق غزة ببحرها ولكن هذه المرة بفعل الأمطار والعواصف التي اجتاحتها.

مجتمع دولي أعمى أصم, كان خارج التغطية وما يحدث بغزة فلم يسعفها أو يناشد لإسعافها, وطن عربي كبير ضاق ذرعا بغزة فلم يسمع له صوت ولم يشاهد له تحرك ولو من باب الإنسانية والندية بالتعامل حينما تصاب إحدى الولايات الأمريكية بكارثة أو أي بقعة أخرى من العالم!!

تحركت قطر لتخترق الصمت العالمي الذي كان يرقب ويتابع ما يجري بغزة دون حراك وكأنه جثة هامدة أصيبت بالشلل فلا حراك فيها سوى تلك العيون التي ترى ما يجري بغزة دون رده فعل طبيعية لنجدة شعب يغرق بصمت ويموت محاصرا رغم انه لازال يقف على قدميه ليموت شامخا عزيزا رافضا للذل والمهانة.

مليارات تقدم للغرب في أي كارثة تصيبهم من قبل وطننا العربي الكبير جسور جوية, قوافل إغاثة تسير بلا انقطاع حتى تعيد الأماكن إلى أفضل ما كانت عليه قبل نكبتها!!

غزة التي كانت ترقب عبر الإعلام جولات رئيس سلطتها بالضفة وهو يزور المخابز الدافئة وبعض الأماكن الأخرى في بروتوكول إعلامي رائع يجسد قلق الرئيس عباس على رعيته بالضفة!! وغزة كانت خارج سياق معادلته بل والأدهى انه لم يوافق على تمرير المحروقات لمحطة الكهرباء المتوقفة بالكامل منذ قرابة الشهرين إلا بعدما تقاضى عشرة ملايين من دولارات قطر كضريبة عن هذه المحروقات!!

غزة باتت الكاشفة لكل من سقط في أخلاقه وضميره لتنزع أقنعة الوجوه الباسمة الضاحكة لتكشف حجم البشاعة خلفها, لتكشف عن نوايا مبيته معادية لها ولسكانها الأشاوس الذين لا يغتروا بتلك الأقنعة وسرعان ما يكتشفون زيفها.

تتهاوى في غزة كافة التماثيل تتحطم على صخرة صمودها, تتكشف صعوبة المعادلة فيها لتغرق أحلام وأمنيات أعدائها, لتعود غزة من تحت الأنقاض شامخة عزيزة ولو كره المحتلون الحاقدون والمستسلمون والمتخاذلون وكل المتفرجون على نكباتها وشامتون في مصابها!!

غزة لها رجال بعد الله تحميها لها قسامها وسرايا قدسها لها القادة الذين انخرطوا بين أبنائها ليكونوا خط دفاع أول يواجهون النكبة كأي فرد فيها, غزة لها قيمها وصمودها الأسطوري الذي يصبح معادلة صعبة الفهم في تكاتف أبنائها مهما اشتدت مآسيها.

اليوم تتكشف في غزة لتكشف المزيد عن عورات من عرتهم سنوات مضت, غزة اليوم تنال من خصومها وتصيبهم بسهام عزتها في قلوبهم وعيونهم لتوجعهم أكثر مما هم فيه من أوجاع نتيجة صمود غزة وشعبها, وستبقى غزة الشموخ والعزة رقما صعب في المعادلة الصعبة وتبقى شوكة في حلق أعاديها, عاشت غزة عزيزة منتصرة على جلاديها وسيبقى نصر غزة دوما تلك الصخرة التي تتحطم عليها كل أمنيات أعدائها سواء المحتلون أو المأجورون لعدائها!!