جواز السفر الفلسطيني أو بمعنى أدق جواز السفر الصادر عن السلطة الفلسطينية له ما لغيره من جوازات السفر طولاً وعرضاً، وقد يتفوق على الكثير منها من حيث الطباعة والشياكة، واستطاع في طبعته الأخيرة أن يتجاوز رفضه من قبل "الآلة" التي تقوم بتحرير بطاقة الصعود إلى الطائرة في مطارات العالم، ووزارة الداخلية بصدد اجراء تعديلات عليه تلبي متطلبات منظمة الطيران العالمية، ويتمثل ذلك بوضع شريحة الكترونية غير مرئية على جواز السفر، تحمل معلومات عن فصيلة الدم وبصمة قرنية العين ورخصة القيادة والتامين الصحي، وعليه فهو يجمع بين رشاقة المظهر ومتطلبات العصر، لكن الجمال والرشاقة هنا ليس لهما محل من الاعراب كوننا لن ندخل بهما مسابقة ملك الجمال.
بداية الانتفاضة الأولى، ألقت على مسامعنا ناشطة سياسة وأكاديمية أمريكية محاضرة في كلية العلوم والتكنولوجيا تطرقت فيها إلى دور الإدارة الأمريكية في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، حاولت الناشطة أن تبرر موقف دولتها المنحاز إلى إسرائيل فلم تجد سبيلاً سوى أن تحملنا نحن مسؤولية ذلك، قالت أن علينا أن نقدم للغرب صورة مغايرة عما علق في ذاكرته عنا، واستطردت قائلة أن علينا أن نتقن اختيار الشخص القادر على مخاطبة الغرب مع ضرورة مراعاة مظهره وشكله، فهي من المكونات الملحة في خلق حالة القبول والرضا والاستحواذ على ود وحب الآخر، قاطعها صديقي بسؤال : ما هي مواصفات الجمال المطلوبة أمريكياً التي تجعل منها تهيم في حب وعشق اسحق شامير "رئيس وزراء اسرائيل آنذاك"؟، همست بإذن صديقي هل التبسيط والتسطيح من مفردات الاستهبال؟.
تذكرت حديث الناشطة الأمريكية وأنا استعرض تقرير دليل "Henley|&Partners" الذي وضع جواز السفر الفلسطيني في مرتبة خامس اسوأ جواز سفر في العالم، ولم يسبقه في السوء سوى جواز سفر كل من افغانستان والعراق والصومال وباكستان، فلو كان معيار التصنيف لديها يعتمد على الشكل والمظهر لتقدم الجواز الفلسطيني خطوات كثيرة إلى الأمام، لكن المنظمة تعتمد المشاكل التي تواجه حامل جواز السفر في حال قرر الحصول على تاشيرة سفر، ومؤكد أن ذلك له علاقة بمدى تقبل الاخر لجواز السفر أكثر منه لحقيقة حامله، وبالتالي طبقاً لمفهوم المنظمة فهو مؤشر على مكانة البلد في المجتمع الدولي.
بعد اعتراف الامم المتحدة بفلسطين "دولة مراقب غير عضو" أثار القرار امكانية تعديل جواز السفر، تحل من خلاله دولة فلسطين مكان السلطة الفلسطينية ، المعارضون لذلك أثاروا مخاوف أن تقدم اسرائيل على منع سفر الفلسطينيين، وعلى اعتبار أن ذلك حقيقة مطلقة لا يدنوها شك، ألا يشكل ذلك بالنسبة لنا أحد ادوات المقاومة الشعبية التي ننادي بها؟، وبالتالي نحن بحاجة لأن نحسم الجدل الداخلي بشيء من التضحية التي بإمكانها أن تخلق واقعاً، والأمر الآخر ذلك الجدل الداخلي المتعلق بدلالات منح الجواز الفلسطيني للاجئين الفلسطينيين في دول الجوار، وهل في ذلك تفريط في حق العودة؟.
إن معاملة العرب لجواز السفر الفلسطيني لا تختلف البتة عن معاملة الغرب له، وبالتالي بات علينا أن نكون أكثر صراحة مع الأشقاء العرب، حيث تعاطيهم مع الجواز السفر الفلسطيني أقرب ما يكون تحت قاعدة "نحب فلسطين ونكره الفلسطينيين"، ومؤكد أننا بحاجة لأن نحب بعضنا قبل أن نطالب بمحبة العرب لنا، وبديهي أن نختلف فيما بيننا ولكن لا يجوز أن يذبل الوطن في خلافاتنا.