شحذ الهِمم وتعزيز الذات

بقلم: مازن صافي

ثمة حقيقة معروفة تماما، وهي إنه من السهل التعامل مع أشخاص القمة عن التعامل مع الصغار، وهناك قصة يحكونها عن جندي في الحرب العالمية الأولى، الذي صرخ في وجه أمامه قائلاً: أطفئ هذا الكبريت اللعين، ولم يكن أمامه سوى القائد الجنرال ، وعندما تلعثم وهو يقدم اعتذاره، قال الجنرال بالتربيت على صدره وهو يردد: حسناً فعلت يا بني، و لك أن تسعد أنني لم أكن " ملازم ثان".

إن وضعية الجنرال لا تتهدد بملاحظات عسكري، يمكنك أن تكون قليل القيمة إذا قللت من شأن نفسك .

وهنا نتساءل ما الذي يحدث في المجتمع، ولماذا يبدو التناحر سمة واضحة ولأتفه الأسباب، لربما نجد الإجابة في القصة السابقة، و لربما نجدها عندما نقول أن درجة اعتزازك بذاتك تحدد مقدار ردود أفعالك تجاه الأحداث المحيطة والمتجه نحوك، فكلما تدنى اعتزازك بنفسك، كلما أصبحت مثل عود الكمان في وجه الريح، تعزف نشاز دون أن يفهمك أحد، وكلما ارتقى لديك الاعتزاز بذلك، فسوف تفتح المساحات لغيرك وتستطيع استيعابهم وتفهم ما قاموا به والتعامل على أساس ذلك، فيكون رد فعلك حكيما يرفع من شأنك ويعزز قيمتك في المجتمع .

ونسمع مثلا أن أحدا ينتقد الآخر بالنظر في وجهه، فيكون رد المقابل " ليش بتتطلع فيَّ.. مش عاجبك "، البعض يعتبر مجرد النظرة الناقدة أو الكلمة الواحدة الجافة بمثابة كارثة تصيب نفسك، فيثور ويزبد ويزمجر ويتفوه بالكلمات الغير مفهومة أو الخارجة عن الموضوع وجوهر الموقف.

إن فهمنا لطبيعة الناس ومن نتعامل معهم بصورة مستمرة يمكنها أن تكشف درجة الاعتزاز بالذات لكل منهم، وبالتالي تمكننا من تجاوز الهفوات وألا تدخلنا في أي ثورة جانبية على التوافه، فنحفظ قيمتنا وحضورنا الحكيم بين الناس.

في الحقيقة أنه يمكننا أن نسيطر على الآخرين إن اخترنا جانب التعقل والمرونة معهم، فلقد واجهتني مشكلة في ترتيب أجواء مهرجان سيبدأ بعد عدة ساعات، ففكرت في أن أوزع الأدوار بين الشباب لسرعة الانجاز، لكنني تذكرت أن لكل منهم ميول وقدرات وربما يتداخلون فيما بينهم دون أن ننجز المطلوب، وهنا ذهبت الى مسئولهم وقلت له : "صديقي إننا في عجلة من أمرنا، وأنا لا أعرف إنسانا نشيطا وفاعلا أمامي ، ولا يمكن لأحد تقدير أهمية أن ننهي عملنا إلا أنت، ويمكنك أن تتصرف مع زملائك فأنت تعرف نفسياتهم ومقدرة كل منهم، وعلى هذا لن أقوم إلا بمتابعة الأمر عن بعد، أما إذا لم يكن الأمر بمقدورك فيمكنني الاستعانة بمن أعرفهم لكي يعملوا على إنجاز المطلوب، فكان رده التلقائي : " يمكنك أن تمهلني فقط نصف ساعة لأوزع الشباب وأحدد مهمة كل منهم وستجد العمل قد بدأ وكأنك أمام خلية نحل" .

في الحقيقة لقد انتهت التجهيزات قبل ثلاثة ساعات من بدء الاحتفال، وكان المشهد غاية في الإتقان والجمال، لقد كان سر النجاح هنا، أن صديقنا حصل على الإحساس بقيمته وذاته، وأنه أيضا تصرف مع زملائه بنفس الكيفية، فهذا يفسر أن كل شخص تلتقي به يريد أن يشعر بالأهمية وبأنه يشكل شيئا بالفعل.، وكلما استطعنا ترقية اعتزاز الآخرين بأنفسهم، كلما أصبحوا أكثر ودا ودفئا ومحبة وتعاون وفاعلية، وأخيرا لنترك للآخرين مساحات ليثبتوا أنهم على قدر المسؤولية وأنهم قادة في مواقعهم .