وطن يهدم على مذبح العشائرية والقبلية

بقلم: راسم عبيدات

مما لا شك فيه بأننا فلسطينياً دخلنا مرحلة "الإستنقاع"،أي مرحلة الأزمة الشاملة،والأزمة لا تطال السلطة فقط،بل القوى الأخرى المحسوبة على المعارضة سواء من داخلها او خارجها او “الملوطة” منها،رجل داخل السلطة ورجل خارجها،والتي تصرفاتها وممارساتها وأفعالها،إنعكاس للسلطة القائمة،وكذلك فالأزمة شملت المجتمع افراداً ومؤسسات مدنية وشعبية،والأزمة لها اكثر من تجلي وبعد وإمتداد وعمق وطنياً وسياسياً وإجتماعياً ومجتمعياً،وفي الأحزاب الفصائل المكونة للمبنى الوطني القائد لنضالات الشعب الفلسطيني،أزمة تنظيم وفكر ينتج عنها أزمة على نحو أشد في الجانب السياسي،ودخول المجتمع الفلسطيني ووصوله لهذه المرحلة،مرحلة شمولية الأزمة،مرتبط بزلزال اوسلو وما جلبه من كوارث ومصائب لشعبنا الفلسطيني،هذا الإتفاق وما نتج عنه من سلطة مشوهة ومهجنة ومحدودة الصلاحيات والمسؤوليات ومقيدة السلطات،لكي يضمن القائمين عليها ولاء الناس والقيادات،كان مطلوباً منها ان تقدم رشاوى على شكل رواتب ومنافع مادية كبيرة ومناصب وإمتيازات ووظائف،وبناء اجهزة امنية تعمل كخادمة لها،وتوفر لها مقومات البقاء،والداعمين والممولين لهذه السلطة من امريكان وغرب إستعماري،كانوا يرون بان هذه الأجهزة،في اغلبها يجب ان تكون من خارج جسم الحركة الوطنية،وعبر دايتون الجنرال الأمريكي الذي اشرف على تدريب تلك الأجهزة عن ذلك بالقول،الهدف من بناء وإقامة هذه الأجهزة هو خلق إنسان فلسطيني جديد،إنسان يرى بان دوره،ليس الهدف منه مقارعة ومقاومة الإحتلال،بقدر ما هو الحفاظ على علاقة تنسيقية معه،ومفرغ من محتواه النضالي والوطني،ويجب إستخدامه في عمليات قمع وإعتقال أية قوى او جماعات تحاول الخروج على السلطة ونهجها وتتمرد عليها،لأسباب لها علاقة بالكفاح والنضال الوطني ومقاومة الإحتلال أو التعارض مع السلطة في نهجها وأساليبها ورؤيتها، لأشكال النضال التي ستخوضها ضد الإحتلال،او اي قوة تثور وتتمرد على السلطة بسبب سياسة الإفقار والتجويع ورهن موظفيها وسياراتهم وأراضيهم وحتى نسائهم لمؤسسات النهب الدولية (صندوق النقد والبنك الدوليين)،وبإختصار سعى دايتون وغيره من اجل ان يعمل اوسلو وما نتج عنه من سلطة واجهزة وتوظيفات وإمتيازات وتفريغات وغيرها للقيام بعملية تخريب وتفكيك ممنهجة ومنظمة لبنية الحركة الوطنية وفصل كادرها النضالي والتنظيمي عن بنية وقيادة هذه الحركة،لكي تصبح مدجنة ومطوعة بعيدة عن كل إرثها النضالي والوطني والتنظيمي،والمفصل الأساسي في عملية التخريب والتدمير تلك إستهدف الحلقة التنظيمية،يضاف الى ذلك ما أحدثه وما جلبه أوسلو من مصائب لشعبنا الفلسطيني،ليس فقط في تقسيم الأرض والشعب،بل إحداث إنقسامات عمودية وافقية في جسم الحركة الوطنية والسياسية،وهتك وتدمير ممنهج للبنية الإجتماعية والنسيج المجتمعي،والسلطة القائمة هي من شجعت على إنتشار وتسييد العشائرية والقبلية في المجتمع،بحيث هي من زادت ورفعت من قوتها ورصيدها وحضورها بين الجماهير وفي المجتمع،وأخذ دورها يحل محل دور الحركة الوطنية في الكثير من المشاكل والخلافات الإجتماعية،وتفرض الحلول وفق رؤيتها وتصورها،وليس وفق رؤية وتصور الحركة الوطنية،او حتى السلطة القائمة،وظهر ذلك في اكثر من انتخابات سواء التشريعية او انتخابات البلديات والمجالس القروية والمحلية،بحيث كانت العشائر او القبائل تفرض مرشحيها على القوائم الوطنية،أو تقوم بتشكيل قوائمها الخاصة،وليس هذا فقط،بل العديد من الرموز التي تنظر للوطن والوطنية،كانت تلجأ للخطاب العشائري والقبلي،وتستعين وتستخدم الرموز العشائرية والقبلية،لكي تتمكن من الوصول الى مقعدها في البرلمان او البلدية او المجلس المحلي،وحتى تطرح نفسها ليس ممثلة للفصيل او التنظيم المنتمية إليه ،بل العشيرة والقبيلة،وطريقة الإنتخابات التي كانت تجري على أساس الدوائر وليس التمثيل النسبي،سمحت للعشائرية والقبلية بالصعود وفرض الشروط،حتى أصبحت قوة تتحدى السلطة واجهزتها،وتقيم مليشياتها الخاصة،وهذا ساعد على نشر حالة واسعة من الفلتان والفوضى في المجتمع،حيث انه في ظل تراجع دور الحركة الوطنية وفقدان هيبتها،اصبح هناك حالة واسعة من النكوص والإبتعاد عن الحركة الوطنية من الناس والجماهير،لصالح الإحتماء بالعشيرة والقبيلة،فهي من توفر لها الأمن والأمان اكثر من اي فصيل او حتى السلطة نفسها،وفي ظل ذلك،وجدنا بأن اوسلو ضرب وثلم الكثير من المفاهيم والقيم الوطنية والمجتمعية،بحيث حلت العلاقات العشائرية والجهوية في التنظيمات وبدرجات متفاوته محل العلاقات والتقاليد والأصول التنظيمية والحزبية،وارتبطت المسؤولية والقيادة في التنظيم والحزب،ليس بالكفاءة والعطاء والإبداع والإنجاز والصلابة والصمود والتاريخ النضالي،بل حكمتها معايير التجييش العشائري والقبلي والنفوذ والمصالح،ومن هنا وجدنا بأن ذلك عكس نفسه على المجتمع والفصائل والأحزاب،بحيث في ظل عدم وجود مساءلة ومحاسبة وسلطة يحركها الفساد الذي أصبح ممأسس والمصالح والإمتيازات،فإنه لم يعد هناك هيبة أو وصدقية للأحزاب والفصائل والقدرة على تنفيذ قراراتها وتعليماتها وإجراءاتها الإنضباطية وغيرها.
نحن جميعاً ندرك بان المشروع الوطني في ورطة وازمة عميقة،جزء منها له علاقة بإنسداد الأفق السياسي،وجزء آخر له علاقة بأن الكثير من القيادات الحالية،لم تعد تشكل قوة مثل وقدوة للكثير من العناصر،حيث سقطت من حولها الهالة الكبيرة،التي كان تتستر بها قبل اوسلو،لتكتشف عناصر التنظيم او الفصيل،بان الباشا ليس بباشا بل زلمه،وان الكثير من تلك القيادات تبحث عن مراكز ومصالح ونفوذ وإمتيازات،وتضع مصالح زلمها وجماعاتها فوق مصلحة التنظيم والوطن،وهذا عكس نفسه على وحدة الإرادة والعمل في التنظيم،وأصبحت ترى الشللية والجهوية والمناطقية متسيدة في التنظيم،والموقف التنظيمي يعبر عنه باكثر من مصدر وطريقة،واحيانا تكون تلك المواقف متناقضة ومتعارضة،وخارج القنوات التنظيمية،وأضحى التنظيم مجرد حاله هلاميه،ولذلك ما حصل بين عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الرجوب وعضو مجلس ثوري فتح أبو الرب "هتلر" يندرج في إطار تلك السياقات،وهو يعكس صراع النفوذ والمصالح،ويكشف بشكل جلي وواضح مدى تغلل الجهوية والعشائرية والمناطقية في التنظيم،حيث لا يمكن الإنحياز في هذا الخلاف والإحتكام لحركة فتح،بل وجدنا ورأينا كيف كان التجييش العشائري والقبلي،والحشود والإستعراضات على تلك الخلفية،ولتصل الأمور حد تقديم الإستقالات الجماعية من التنظيم،بعد فصل النائب ابو الرب بطريقة غير تنظيمية.
ان الوطن ومصالحه واهدافه الوطنية تسقط على مذبح العشائرية والقبلية،ولن تستقيم الأمور لا في سلطة ولا احزاب،ما زالت تفكر بطرق عشائرية وقبلية،وغير قادرة على خلق بنى ومؤسسات وطنية حقيقية،تضع مصلحة الوطن والشعب قبل القبيلة والعشيرة.

القدس- فلسطين
20/12/2013
0524533879
[email protected]