كشفت عنه تصريحات كبير المفاوضين الدكتور صائب عريقات عن تخبط سياسي، فقد اعترف الرجل بالحقائق التالية، وقال: منذ استئناف المفاوضات في تموز 2013 قتلت إسرائيل 31 فلسطينيا بدم بارد، وأعلنت عن أكثر من عطاء لبناء 5992 وحدة استيطانية، (ثلاثة أضعاف النمو الطبيعي لنيويورك)، وهدمت 209 بيوت ومنشأة، وزاد إرهاب المستوطنين بنسبة 41%، وتقدمت بقوانين لتقسيم المسجد الأقصى، فصار مستحيلاً أن تستمر المفاوضات.
هذا الاعتراف خطير، ويتوجب على شباب حركة فتح أن يدققوا في مضمونة قبل غيرهم، ليكتشفوا حجم المأساة التي تعيشها القضية الفلسطينية، وليكتشفوا أن استئناف المفاوضات هي الطريق السلس لقتل الفلسطينيين، ومصادرة أراضهم، وهدم المسجد الأقصى.
ولكن ما يزيد الطين بللاً في هذا الشتاء الفلسطينيي، هو قناعة كبير المفاوضين في حديث له بتاريخ 19/12 بإمكانية تحقيق اتفاق في نهاية فترة المفاوضات في نيسان/ابريل 2014، واشترط ذلك بالتزام إسرائيل بوقف الاستيطان، ووقف الإجراءات أحادية الجانب، وما عدا ذلك فإنه يحمل إسرائيل مسئولية فشل مفاوضات السلام.
وماذا يضير إسرائيل من فشل المفاوضات؟ إنها مستعدة لتحمل المسئولية، طالما قد مكنتها المفاوضات من قهر الإنسان والسيطرة على الأرض المسماه منطقة ج، فالذي يسيطر على الأرض بعد قهر سكانها بالقتل؛ يمتلك الفضاء الخارجي والسياسي والإعلامي، ويضع العالم أمام الحقائق، ومثلما اعترف العالم بدولة إسرائيل واقعاً مقاماً على حدود 48، ثم اعترف بعد ذلك بالمستوطنات واقعاً مقاماً على أرض الضفة الغربية والقدس، سيعترف العالم بعد ذلك بنفوذ اليهود المطلق على ما نسبته 60% من أراضي الضفة الغربية.
لقد ضاق أفق القيادة السياسية الفلسطينية حين حشرت نفسها في قفص المفاوضات أولاً، وحين قصرت القضية الفلسطينية على سكان قطاع غزة والضفة الغربية ثانياً، وهذا ما تجلي في حديث كبير المفاوضين لصحيفة القدس العربي يوم الاثنين 23/12 حين قال: في حال فشل المفاوضات، فإنه يجب ان نحقق مصالحتنا الوطنية بشكل سريع جدا بالعودة لإرادة الشعب، والعودة الى صندوق الاقتراع، وتعزيز جبهتنا الداخلية في الضفة والقطاع والقدس والمناطق المحتلة، وعلينا الاستمرار ببناء مؤسسات دولتنا.
نستشف من حديث كبير المفاوضات أن تحقيق المصالحة الفلسطينية بشكل سريع هو الرد الأول على فشل المفاوضات، والصحيح هو ان تكون للمصالحة الفلسطينية الأولوية على المفاوضات، لا أن يصير التلويح بالمصالحة كورقة ضاغطة على طاولة المفاوضات.
ونستشف من حديث كبير المفاوضين أن صندوق الاقتراع في غزة والضفة الغربية هو الطريق للمصالحة، وهنا مكمن الخطر على القضية الفلسطينية، لأن أبسط قواعد الوعي السياسي ترى باللاجئين الفلسطينيين في الشتات أصل الصراع مع العدو.
ونستشف من حديث كبير المفاوضين أن المقتول لا يفكر في إبعاد عنقه عن سكين القاتل، ولاسيما حين يصر السيد محمود عباس على حمل مقترحات كيري التي تكرس الاحتلال إلى جامعة الدول العربية، ليأخذ منهم المباركة عليها أو التعديل لبعض بنودها، وهذا يتعارض مع أبسط الحقوق الوطنية تملي على صاحب الحق ألا ينتظر رأي إخوانه في ممارسات قاتله، وإنما تستحثه لأن يبدأ القتيل في الدفاع عن نفسه، قبل أن يطلب النجدة من إخوانه.