أمس عانق الأسير القائد المقدسي سامر العيساوي الحرية،ليعود ظافراً منتصراً الى مسقط رأسه في قرية العيساوية التي تبعد فقط عدة كيلو مترات عن الأقصى والقيامة فقط،الأقصى الذي يتعرض لمخاطر التقسيم الزماني والمكاني الفعلي على يد العصابات والجمعيات الإستيطانية المتطرفة،سامر شكل حالة استثنائية على صعيد الحركة الأسيرة الفلسطينية،وهذا ليس لكونه خاض فقط اطول ملحمة بطولية على صعيد الحركة الأسيرة فلسطينياً وعربياً ودولياً،ملحمة الأمعاء الخاوية،والتي امتدت لتسعة شهور ونيف،بل لكونه أعاد تجليس الهرم لكي يجلس على قاعدته بدل رأسه،بالقول بأن الإرادة والثبات على الموقف والمبدأ قادرة على تحقيق الإنتصارات،وان إستدخال الهزائم او ما يسمى بالواقعية و"الكف لا يناطح المخرز"،لن تحرر وطناً ولا أسرى ولن تصنع حرية،وأثبت وبرهن القائد سامر بالممارسة والفعل والتضحية،بأن إمتلاك ذلك يمكن ان يحقق النصر على اعتى القوى الفاشية والمتغطرسة،فهو رفض كل أشكال المساومات،متسلحاً بإرادة وقرار جريء وعزيمة لا تلين، رافعاً شعاره الناظم بأن لا عودة إلا للعيساوية،وغير ذلك الشهادة في سبيل الوطن والحرية،ولا اخفيكم القول بأننا سعينا الى إجراء نقاش مقدسي حول خطوة سامر بعد مضي ما يقرب من سبعة شهور على قيامه بالإضراب عن الطعام،حيث كنا نبحث عن مخرج،لا يجعل سامر يعود الينا محمولاً على الأكتاف،فنحن نريده حياً نستلهم من تجربته ونبني عليها للمستقبل،ولا أخفيكم بأنه كانت تساور البعض منا شكوكاً بأن هناك من يدفع بسامر نحو هذا الخيار من أجل ان يتسلق على تجربته ونضالاته وتضحياته،ففي مثل هذه المعارك غير المعهودة في النضال،تصبح هكذا شكوك مشروعة، ونحن كان هاجسنا سلامة سامر وعودته حياً،وان تكون تجربته بروفة لمعارك إعتقالية اوسع وأشمل،ولكن كل اطروحاتنا وتنظيرتنا سقطت امام صمود هذا العملاق،حيث كان هناك جزم وحزم بأن لا خيار سوى ما إختاره سامر،النصر او الشهادة،والمطلوب فقط دعم صموده وتنظيم اوسع عمليات تضامن واحتجاجات ومسيرات واعتصامات ومظاهرات شعبية وجماهيرية دعماً ونصرة لخطوته النضالية.
والدرس الآخر المستفاد من تجربة القائد العيساوي،هي قضية رفض الإبعاد،تلك القضية الخطيرة،التي قلنا انها واحدة من مثالب صفقة التبادل،صفقة الوفاء للأحرار،على الرغم من تثميننا وتقديرنا العالي لها،التي أبعدت قسراً ما لا يقل عن 40 % من الأسرى المحررين عن ديارهم وبيوتهم،والقول بأن من أبعدوا الى غزة، ذهبوا الى وطنهم،كلام لا يصمد أمام الوقائع والحقائق،فالذاهب الى أرض الوطن غزة وغيرها يكون بإرادة وخيار حر طوعي وليس إلزام قسري،فنحن من تجربة مبعدي كنيسة المهد عام/2002،كان علينا ان نستلهم الدروس والعبر،حيث تم إبعادهم بشكل مؤقت لمدة ثلاث سنوات،ولم يعد أحد منهم حتى الان، فالمبعد المناضل عبدالله داود الذي إستشهد في الخارج،لم يسمح بدخول جثمانه ليدفن في أرض الوطن،وكذلك حال كل الأسرى الذين جرى إبعادهم في صفقة الوفاء للأحرار،وانتهت مدة إبعادهم،لم يوافق الإحتلال على عودة أي منهم،فهذا الإحتلال خبرناه وعرفناه جيداً،لا يلتزم بأية اتفاقيات ولا أعراف ولا مواثيق دولية،تعتمد على حسن النوايا أو غير موثقة وموقعة من أطراف دولية ضامنة لتطبيقها وتنفيذها،وحتى تلك الموقع والموثق منها كثيراً ما يخرقها ولا يحترمها،وقد وعى الأسير القائد العيساوي الدرس والتجربة جيداً،برفضه كل صيغ الإبعاد التي طرحت عليه،وأصر على العودة إلى مسقط رأسه في العيساوية،وكذلك فترة الحكم أصر على ان تكون مقرة وموثقة بتوقيع المحامين وقضاة محاكم الإحتلال،وليس عبر وعود شفوية من اجهزة قمع ومخابرات صهيونية تتنصل منها بعد إنتهاء الخطوة النضالية مباشرة.
والدرس الآخر المستفاد من تجربة الأسير القائد العيساوي،هو البيئة الحاضنة للأسير العيساوي،فهو ولد وتربى في عائلة مناضلة قدمت الشهداء والجرحى والأسرى،فقد إستشهد شقيقهم فادي في المناشطات التي اعقبت مجزرة الأقصى/1994 وكان نشاطاً في الإنتفاضة الأولى- انتفاضة الحجر،وكان احد قادتها الميدانيين،اما شقيقه مدحت الذي عرف طريقه لسجون الإحتلال اكثر من مرة،فقد تحرر من الأسر قبل أسبوع على تحرر القائد سامر،وكذلك شقيقيه شادي ورأفت كانوا معتقلين سابقين وشقيقتهم المحامية شيرين العيساوي،أما الوالدين "أبو رأفت وأم رأفت"فهم نماذج صارخة في التضحية والفداء والصمود والتحدي والكفاح والنضال،وانا لا أبالغ بان والدتهم ضربت مثلاً رائعاً ومميزاً في قوة أعصابها وتحملها وصبرها،وأنا واثق بأنه لو كانت أم غير هذه الأم الفولاذية،لمارست كل أشكال الضغوط على إبنها من أجل ان يفك إضرابه المفتوح عن الطعام،وذلك بغريزة الأم التي لا تريد أن تفقد او تخسر إبنها،ولكن تلك الأم النموذج والرائعة تحملت ما لا تتحمله الجبال،فقالت أنا مع خيار ابني،فإما حرية او شهادة،وهذا قرار يحتاج الى جرأة عالية وأعصاب فولاذية ودرجة غير مسبوقة من الإنتماء.
نعم البيئة الحاضنة من الأسرة والأصدقاء والرفاق والجماهير،لعبت دوراً مركزياً في معركة القائد سامر الإعتقالية،وانا واثق بأنه لو كان هناك إحتضان رسمي بالمستوى المطلوب،لأمكن تحقيق هذا النصر بزمن أسرع،وهذا النصر يجب أن تستلهمه وتتعلم منه القيادات التي تقامر بحقوق وثوابت شعبنا عبر مفاوضات عبثية ،لن تؤدي سوى الى المزيد من ضياع وخسارة تلك الحقوق وتبدد مشروعنا الوطني،فأظن بأن ما يحمله كيري من مشروع سياسي لحل إنتقالي،سيصيب من مشروعنا الوطني مقتلاً،وهذا المشروع أخطر من أوسلو كثيراً.
الأسير القائد العيساوي،حقق إنتصارا كبيراً،انتصاراً يحق لسامر ولعائلته ولرفاقه ولحزبه ولثورته ولكل أبناء شعبه أن يفخروا به،فهذا انتصار يسجل،في ظل تراجع شهدته وتشهده اوضاع الحركة الأسيرة الفلسطينية،والتي عليها أن تدرك جيداً بأنها مستهدفة كمجموع وليس كأحزاب وفصائل منفردة،وبدون وحدة اداتها التنظيمية الوطنية،فلن تستطيع تحقيق إنتصارات جدية وحقيقية.