الترويج السياسي والفكري الذي حققه فيلم (World War Z)

بقلم: عمار جمهور

الفيلم الذي عرض في صالات العرض أواسط هذا العام، والذي لاقى رواجاً واسعاً حول العالم عبّر عن القدرة الإسرائيلية والصهيونية على توظيف السينما العالمية كإستراتيجية اتصال فعالة للترويج لسياساتها الرامية إلى طمس الحقائق وقلبها رأساً على عقب، وذلك بغرض خلق انطباعات ذهنية لدى المتلقي مرتبطة بإنسانية العمل ذاته. تهدف هذه الانطباعات بحد ذاتها إلى حث المتلقين والمشاهدين حول العالم من كافة الشعوب والأديان إلى تصديق الرواية الإعلامية الإسرائيلية.

فقد وظف هذا العمل السينمائي الضخم ثلاثة عناصر رئيسة في الترويج للفكرة الإسرائيلية وهي: الاعتماد على شهرة البطل ورواجه في العالم، فهو يشكل بحد ذاته (Brand) سينمائي، بالإضافة إلى استغلال سمعة (Reputation) الأمم المتحدة لتسويق رسائل سياسية للعالم بغية خلق انطباعات غير صحيحة لدى المشاهدين من خلال دور هذا البطل كموظف سابق لدى المنظمة. وإخراج إسرائيل بصورة الدولة المضحية بغرض إنقاذ الإنسانية، والتي تنتصر في سبيل الإنسانية انطلاقاً من مسؤوليتها الإنسانية والاجتماعية تجاه العالم (Social Responsibility ).

وظف الفيلم شهرة البطل براد بيت الذي جسد دور جيري لين الموظف المتقاعد لدى الأمم المتحدة للترويج (Promotion) للفيلم، وإلى الفكرة الأمريكية التي تعتبر كوريا الجنوبية وإسرائيل رأس حربة الديمقراطية في العالم. فرحلة براد بيت لإيقاف وباء "الزومبي" من الانتشار حول العالم تبدأ من كوريا الجنوبية، والتي تعتبر بمثابة نموذج غربي يقتدى به في شرق آسيا. براد الذي يكتشف بأن الخلاص يكمن في إسرائيل وهي أيضاً النموذج الديمقراطي الأمريكي في المنطقة الشرق أوسطية، وكذلك نموذج الدولة المتطورة في محيط همجي يقرر المضي قدماً لإسرائيل ليهبط في مطار القدس "قلنديا" لتبدأ قصتنا كفلسطينيين في الرواية.

يربط الفيلم ويخلق علاقة ما بين الزومبي وهو مفهوم يعني "الأحياء الأموات" بالفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية، أو الذين عزلهم جدار الفصل العنصري. مفهوم " الزومبي" يحمل دلالة ومغزى إنسانياً عميقاً. فهو يرمي إلى أن الفلسطينيين لا فائدة منهم فهم الأحياء الأموات. كما يسوق هذا المفهوم في إطار إسقاطه على الفلسطينيين إلى أنه لا قيمة لحياة الفلسطينيين ووجودهم .

يصنف الفيلم كارثة ورعباً، ويستطيع من خلال إتقان العمل السينمائي على جذب المشاهدين وشدهم إلى الفيلم بطريقة مثيرة. ويعتبر هذا الفيلم للمخرج مارك فورستر مقتبساً من الرواية التي تحمل نفس الإسم "الزومبي" لماكس بروكس.

يستطيع الفيلم من خلال توظيفه لعناصر التشويق والإمتاع أن يجذب المشاهدين ويشدهم بطريقة مثيرة، وأن يقودهم إلى تلقي الإملاءات والرسائل الإعلامية المبطنة في ثنايا هذا العمل الدعائي بطريقة سلسلة. كما أنه يظهر نجاحه في الترويج للرواية الإعلامية والسياسية الإسرائيلية الرامية لشرعنة قتل الفلسطينيين، وإنهاء وجودهم. وشرعنة بناء جدار الفصل العنصري.

يوظف الفيلم رسائل إعلامية مقصودة لخلق انطباعات وتزييف حقائق على أرض الواقع ويسرق صور ومفاهيم التضحية بالنفس من أجل إنقاذ الغير من النموذج الفلسطيني "الفدائي" ويوظفها لخدمة روايته الإعلامية. فالجندي الإسرائيلي الذي يفجر نفسه في الفلسطينيين لإنقاذ موظف الأمم المتحدة ما هو إلا صورة مسروقة للاستشهادي الذي يعتبر من المنظور الإسرائيلي- الأمريكي "إرهابياً". القتل والتهجير في الأعداء من خلال مشهدية الجندي ألاحتلالي تعطي انطباعاً تبريرياً للدفاع عن النفس، وذلك من خلال توظيفها بشكل ناجح "مسروق" في هذا الفيلم، على عكس محاولاتنا المتواضعة كفلسطينيين لتبرير أو تسويق صورة العمل الاستشهادي أو الفدائي أو التفجيري في إطار التضحية بالنفس لإنقاذ الغير الفلسطيني.

يشير الفليم من خلال شخصية جيري لين إلى أن القدس عاصمة إسرائيل، فمطار قلنديا الذي يذكر في الفيلم على أن اسمه مطار "عطروت" يقع وفق القانون الدولي على الأرض الفلسطينية التي احتلت العام 1967 والتي تصنف وفق قرار مجلس الأمن الدولي 242 على أنها أرض محتلة ويجب الانسحاب منها. وبمجرد تمرير هذه الرسالة السياسية من خلال استغلال سمعة الأمم المتحدة كشخصية دولية محايدة لإسقاط تعبيرات سياسية غير متفق عليها دولياً بهدف إعطاء مصداقية للرواية الإعلامية الإسرائيلية لدى المتلقين مغلوطة وعلى عكس الواقع والحقيقة.

المشهديات الأخرى التي وظفها العمل السينمائي من جدار، وحواجز، وممرات حديدية كلها عملت على خدمة الرواية الإعلامية الإسرائيلية بطريقة مقنعة. فقد أظهر الفيلم بأن الجدار يحمي إسرائيل والعالم من خطر الزومبي "الفلسطينيين". وبأن الممرات الحديدية التي صممت من قبل الاحتلال لحبس وسلب حرية الفلسطينيين وظفت على أنها تحمي الجنود الإسرائيليين من خطر الفلسطينيين "الزومبي". ورسم الفيلم

ملامح حاجز قلنديا على أنه يشكل الفرق ما بين الإنسانية واللاإنسانية بصورة لا مجال للريبة فيها وبطريقة مقنعة جداً.

ما يهم في هذا الفيلم هو معرفة حجم التأثير والانطباع الذي سيخلقه في ذهنية الأمريكي، الأوروبي وحتى الصيني والكوري والروسي عن القضية الفلسطينية وعن حقيقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فمهما عملت الأجهزة الإعلامية والدبلوماسية الفلسطينية إذا ما افترضنا نجاحها، إلا أنها لا تستطيع الوصول إلى حجم الجمهور الذي استهدفه الفيلم واستطاع إقناعه. والمعروف بأن ما يقال في من قبل السياسيين ما هو إلا أقاويل بغرض تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية.

ما يرويه الفيلم قضية إنسانية بامتياز تتشارك الإنسانية جمعاء في التصدي لها من خلال أسلوب تشويقي ترفيهي هدفه الإمتاع والتسلية. وما زال هذا الفيلم يعرض في أنحاء العالم كله على الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" ودور السينما والفضائيات وسيبقى يعرض مراراً وتكراراً حتى يصبح جزءاً من الرواية الإعلامية الصهيونية.

عمار جمهور /إعلامي

23/12/2013