سامر العيساوي الحرية أو الموت كالأشجار

إن عشت فعش حراً أو مت كالأشجار وقوفاً، هكذا غنى سميح شقير سابقاً، واليوم نرى سامر يقرع أجراسه في مملكة الصمت ويغني نشيداً بجسده النحيل وأمعائه الخاوية وابتسامته الشاحبة، فيحطم جدار السجن ويأبى الانكسار.

فبعد أكثر من 270 يوماً من الإضراب المتواصل عن الطعام وهي أطول فترة إضراب عرفها التاريخ، تم التوصل إلى اتفاق بين النيابة العسكرية الإسرائيلية والعيساوي ينهي بموجبه إضرابه عن الطعام مقابل إطلاق سراحه بعد ثمانية أشهر.

وهذا الاتفاق هو انتصار حقيقي لرجل فضل الموت جوعاً وألماً على أن يبقى حبيساً بين جدرانٍ عفنة وخلف قضبان صدئة في كيان غاصب غير شرعي.

وبناء عليه فمن المقرر أن يفرج الاحتلال الاسرائيلي اليوم الاثنين، عن الأسير المقدسي سامر العيساوي، صاحب أطول إضراب عن الطعام في تاريخ البشرية،

اختطف سامر العيساوي بعد أن تم الإفراج عنه في صفقة وفاء الأحرار، بعد اعتقال دام 10 سنوات في سجون الاحتلال الصهيوني، أعادت سلطات الاحتلال اعتقاله مجددا يوم 7 تموز من العام الماضي، بحجة عدم التزامه بشروط الصفقة.

وفي الأول من آب عام 2012، أعلن إضرابه المفتوح عن الطعام احتجاجا على إعادة اعتقاله تعسفيا ودون أي مبرر.

وأضرب العيساوي عن الطعام لمدة 9 أشهر حتى تمكن من تحقيق مطالبه، وبذلك عدّ صاحب أطول إضراب في تاريخ البشرية.

وعقدت جلسات عدة في المحكمة العسكرية في "عوفر" ومحكمة صلح الاحتلال في القدس انتهت بانتصاره، بعد أن كانت سلطات الاحتلال تطالب بإعادته إلى ما تبقى من حكمه والبالغ 20 عاما من أصل 30 عاما، قضى منها 10 سنوات قبل أن يفرج عنه بصفقة التبادل.

ما حققه العيساوي ومن قبله الشراونة والسكسك وهناء شلبي وخضر عدنان لم يسبق له مثيل ويعتبر قفزة في عالم الإرادات ومواجهة السجان الطاغية بابتسامة حنونة وقلب موجوع وأمعاء تجوع ولكن بلا ركوع، فاليوم نحن أمام أسطورةٍ إنسانية بالدرجة الأولى ووطنية وعربية تتقدم بنموذج واضح ومؤثر، فيجب أن تُحفر تجربته في الوجدان البشري، وترسم صوره وينقش أسمه مع عظماء التحرر العالميين كعمر المختار وغاندي ومنديلا.

سامر العيساوي اليوم رمز فلسطيني يجمع ألوان العلم ورائحة التراب ووجه الجليل والخليل، وفي عيونه أنات غزة وصمودها، وثورة نابلس وكبرياؤها وآذان الاقصى وتكبيراته وأجراس القيامة والمهد، هو حلم الأطفال في أزقة مخيم للجوء في لبنان وعمان.

وكم أتمنى أن نكون على قدر سامر وتضحياته، فيستثمر صموده الأسطوري المذهل ووجهه الشاحب وعيونه الغائره لنرسل رسالتنا النقية الصافية بطهر وعفوية سامر وصموده ليكون سفيراً لمعاناتنا وأحلامنا.

ما حققه سامر من انتصار هو درس لنا أننا نستطيع كشعب أن نصمد ونصبر حتى نحقق هدفنا في التحرير، فان جاع وتألم ومرض ووهن ولم ينثن أو يتراجع، فعلينا أن نستلهم هذه الإرادة الفردية لمجتمع يستحق أن يتحرر مهما دفع من ثمن.

--

إبراهيم محسن المدهون  - غزة فلسطين

رئيس مركز أبحاث المستقبل

رئيس تحرير موقع سراج للإلام

كاتب في صحيفة الرسالة