حماس ومحاولة استيعاب الجهاد الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم. وقد ابتلينا بنهر الفتنة على أرض الشام، فلم تشرب حماس منه فقط، بل لغت ولوغا من النهر! ولقد قال لهم سماحة الأمين العام لحزب الله بأن هذه فتنة لا تستهدف سوريا فحسب، بل تستهدف المنطقة والأمة! وذكرهم، بـ "إلا من اغترف غرفة"؛ فالذكرى تنفع المؤمنين، ونصحهم فليس مطلوبا منكم يا حماس أن تؤيدوا النظام وكما أنه ليس مطلوبا منكم تأييد الثوار الزيف. اشتغلوا لقضيتكم القضية الفلسطينية، ولا تغيروا من نمط تعاملاتكم من خيار معيار القضية الفلسطينية، عندها تظلون أنتم كما كنتم مع النظام، وغير محسوبين على النظام. فلم يستمعوا لنصيحته وركب الشيطان رؤوسهم.ـ

كما فعل الرئيس عبدالناصر عام 1964 مع الإخوان، فأخرجهم من السجون، وأرجعهم لوظائفهم، بل احتسب لهم سنوات السجن ضمن خبرات العلاوة، قال الرئيس بشار لحماس متناسيا صراع الثمانينات المرير بين أبيه والإخوان: لننسى الماضي، ونبدأ صفحة جديدة مع حماس باعتبارها فصيل مقاوم. وأعطاهم مقرا في وقت ضاقت عليهم الأرض بما رحبت. ظنوا أنه ضعف من الرئيس عبدالناصر، وبدأوا التآمر من جديد! بدأوا نفس الحركة مع الرئيس بشار عندما وصلوا إلى نهر الفتنة على أرض الشام. فركب خالد مشعل راسه، وليبرر خيانته أخذ ينادي ساعدتمونا في الحق فلا نساعدكم في الباطل! وأخذ إسماعيل هنية يبشر بالخلاقة الفتنوية، خلافة إسلامية وعاصمتها القدس! فتنوية لأنها تستهدف الجمهورية الإسلامية، ولا تستهدف خير المسلمين! وستستقط هذه الخلافة عند انتهاء مهمتها بتسليم إيران للناتو، تماما كما حصل في الجهاد الأفغاني الذي انتهى عند تسليم أفغانستان للناتو!ـ

كانت سوريا وحزب الله وحماس في تحالف وثيق، وكان المفروض أن يخرج تحالفهم أكثر قوة بعد عبور نهر الفتنة بسلام، كما هو الحال الآن بين سوريا وحزب الله، وكان المفروض أن تكون حماس ثالثتهم. وعندما يظهر أمثال د. الزهار (أبو الشهيدين) على التلفزيون ليقول إن التواصل بين حماس وحزب الله لم ينقطع، فذكر الحقيقة هكذا يمثل استخفاف بعقلية المستمع، لأن حزب الله هو صاحب الفضل في استمرارية هذه العلاقة، ولا فضل لحماس فيها. بالأمس إيران على لسان الناطقة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم، قولها إن طهران “تدين هذه الإعتداءات الوحشية”، مشيرةً إلى أنها جاءت “بدافع من اليأس والخوف من انطلاق الانتفاضة الثالثة للشعب الفلسطيني المظلوم وخاصة من المقاومة الإسلامية في الضفة الغربية”. وأضافت أن إيران تحمّل “كيان الاحتلال الصهيوني، تداعيات تصعيد ممارساته التي تصب في سياق إرهاب الدولة”، مطالبةً المنظمات الدولية وتحديداً الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي بـ”إدانة هذه الجرائم وتحمّل مسؤولياتها لمنع تكرارها ضد الشعب الفلسطيني”.. فهل تقوم الجمهورية الإسلامية بهذا من أجل حماس أم من أجل الشعب الفلسطيني؟!ـ

الطريق سالك بين حماس وحزب الله، هذا صحيح، لكن الفضل في هذا يرجع لحزب الله وليس لحماس، فبعد عبور نهر الفتنة، أصبح حزب الله وحماس فريقين وليسا فريقا واحدا كما كانا. لقد أصبح حزب الله من الفريق الذي لم يشرب بينما أضحت حماس من الفريق الذي شرب! وهو أمر تشعر به حماس في داخلها.

الجهاد الإسلامي عبر النهر ولم يشرب منه، فهو وحزب الله فريق واحد. إذا فهو من فريق حزب الله الذي اجتاز فتنه النهر ولم يشرب من النهر. بمحاولة حماس ضم الجهاد الإسلامي، تكون ضمت إليها أحد عناصر فريق المؤمنين الذين لم يشربوا من نهر الفتنة على أرض الشام. وهذا يعني أنها تبني جسراً بين فريقها الذي سقط في الفتنة والفريق اجتازها، ودون أن تحتاج إلى تغيير في قيادتها الحالية، بل ودون اعتراف بالخطأ واعتذار. ستكون الجهاد الإسلامي بمثابة ممسحة لخطايا حماس وتآمرها على الأمة مستغلة إحتضانها القضية الفلسطينية. الجهاد الإسلامية ليسوا بحاجة لهذا التلوث من خلال الدخول في حكومة حماس التي تدير قطاع غزة وصار لها مشكلات مع الجميع!ـ

بعد أن كان الاقتتال مرشحا بين حماس والجهاد الإسلامي، في محاولة من حماس لاستيعاب الجهاد الإسلامي بالعصا، تحاول الآن استيعابها من خلال الجزرة. فبعد انهيار حكم مرسي وتبخر الخلافة الفتنوية، لم تعد حماس قادرة على استخدام العصا! هنا تأتي الوظيفية الثانية وهي أن الشعب الفلسطيني يتطلع اليوم للجهاد الإسلامي كبديل لحماس التي يتحكم في قرارها التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وليس صالح القضية الفلسطينية كما يفترض! وتصرف حماس اليوم يذكرني بتصرف الإخوان في أوائل الحمسينات عندما سأل عبدالناصر مرشد الإخوان عن قتال الإنجليز في القنال، فقالوا له بالحرف الواحد:" نحن تنظيم عالمي. أنت ترى القتال لا بد أن يكون هنا، نحن قد نرى غير ذلك؛ في مكان آخر!". وبعد ستة عقود يكرر الإخوان نفس القول ويطبقوه! فأولوية الجهاد ليست على أرض فلسطين بل على أرض الشام! وقد أعلن سي مرسي هذا على الملأ في استاد القاهرة، وبالطبع يجرون حماس معهم. بهذه الطريقة تكون حماس قد سجبت من الجهاد الإسلامي ورقة منافسة بديل حماس؛ تماما كما فعل أوباما بحرق ورقة منافسة هيلاري كلينتون على فترته الرئاسية الثانية من خلال إعطائها وزارة الخارجية.ـ

أنا أقول للإخوة في الجهاد الإسلامي: خيرا فعلتم بعدم الإنجرار مع حماس، لكن عليكم أن تفكروا جيدا بدخول الانتخابات القادمة إن أقيمت، لأن إقامتها مازال في علم الغيب، فلا الرئيس منتهي الولاية يريدها ولا حماس تريدها. لكن إن قدر الله أن تحصل فعليكم دخولها لأنكم ستكونون الرقم الصعب الذي سيمنع التآمر على القضية الفلسطينية.ـ


بقلم: د. شاكر شبير