حُلم مدفون في مزرعة بقر

ليلى ذات العينين السوداواتين والتي يتجسد فيهما الألم بكل معانيه والشعر الغزير الذي لم

يدركه السنين والوجه الشاحب الذي يلخص المأساة التي عاشتها سنوات عديدة فهي كانت تحسن

تقليد الصحفيين و جل طموحها أن تصبح في يوم من الأيام مثلهم فهي كانت فتاة حالمة ولكن

لم يحالفها الحظ أن تحقق ما تريده فقد دُمرت حياتها وفقدت أحلامها الوردية فبعد أن كانت

ليلى تعيش بقلب طموح مليء بالأمل والتفاؤل أصبحت تعيش بقلب حزين يائس ووجه شاحب

وجسد ضعيف مرهق فقد فقدت شهيتها في الإقبال على الحياة وأسكنت بداخلها طير الشؤم

فهي الآن لا تملك سوى أحلام مشوهة وبقايا ذكريات رحلت ولن تعود ...

فبعد أن تزوج والدها بأخرى تركها هي وأمها ليواجهوا صعوبات الحياة بمفردهم دون شفقة

عليهم فعاشت تحت قسوة وجبروت عمها وجدها واللذان حرماها من أهم شيء في حياتها ألا وهو

الذهاب إلى المدرسة لإكمال مشوارها في الحياة وتحقيق حلمها الوحيد ...

وروت لنا ليلى عن تجربتها القاسية في الحياة وعن أحلامها التي تحطمت على صخرة الزمن ...

"كنت أحلم دائما أن أصبح كاتبة ليعبر قلمي عن مشاكل وهموم الناس وليرسم البسمة على وجوه

البؤساء ويمسح الحزن عن قلوبهم وحتى ينتقد قلمي شتى أشكال الفساد في المجتمع ويرفع

الظلم عن المظلومين .

فإن حلمي أصبح شوكة مغروسة في قلبي تسبب لي الألم دائما و ذكرى مرة كلما تذكرتها

تعكر مزاجي لأني لم أحقق أي شيء ."

فتابعت ليلى روايتها " فبعد أن منعني عمي من إكمال دراستي أصبحت أعمل خادمة عنده في

المنزل !!! استيقظ كل

يوم من الصباح الباكر حاملة أعباء المنزل التي لا تنتهي علي مرأى أبنائه وزوجته وبعد ذلك

أذهب إلى حقل جدي لأعمل فيه فتصوروا أن جدي منذ نعومة أظافري كان يرغمني على

تنظيف حظائر بقره فكانت يداي الصغيرتان تتلوثان بمخلفات الأبقار وكانت الروائح الكريهة

تقطع أنفاسي فيا لها قسوة جدي وعمي فما ذنبي أنا أن أعمل كالعبد وأعيش طوال حياتي مذلولة

فكل ما حلمت به هو أن أصبح صُحفية فقط ، فهل هذا مستحيل ! ."

وأضافت ليلى" كنت أعود إلى أمي في المساء منكسة الرأس بوجه شاحب وقلب يائس وعيون

مليئة بالدموع المحبوسة استلقي على فراشي و أملأ وسادتي ببحر من الدموع التي تفيضها

عيناي من شدة أوجاعي المدفونة بداخلي فلا احد يشعر بي سوى أمي .. أمي التي لا تستطيع أن

تقف في وجه الريح حتى لا تسحبها إلى مكان بعيد عني وأبقى في النهاية وحيدة مع الوحوش

فانا لا استطيع أن أنام بعيدا عن أحضان أمي الدافئة والمليئة بالحب والحنان " .

يوم لا ينسى

وتابعت ليلى روايتها " أحيانا كنت أتمنى الموت دون رضا وأحيانا أخشى الموت

وكأنه وحش مخيف يحيط بي ويريد أن يبتلعني دفعة واحدة .

وأضافت ليلى "انا لا استطيع أن أنسى ذلك اليوم ... اليوم الذي كنت اجلس فيه مع بنات عمي

أشاهد التلفاز فكنا نضحك ونمرح وفجأة دخل عمي إلى الغرفة التي كنا نجلس فيها فنظر إلي

بعيون ينتفض منها الحقد والكراهية واقترب مني أكثر فأكثر فكان قلبي ينبض بسرعة وجسمي

يرتعش من شدة الخوف وكأنه وحش فسألني بصوت عالي جدا ماذا تفعلين هنا !!! .. فلم استطع

أن أتكلم فوضع كفه الخشنة على ظهري النحيل ولفح دفء أنفاسه طراوة خدي وامسكني من

شعري بقوة وبدا يجرني وكأني كلبة إلى مزرعة جدي فكنت حينها قد نسيت أن هذا وقت

حلابة البقر فصرخت بصوت عالي وهو يجرني انجدوني .. انجدوني .. ولكن لا أحد يستطيع

أن يقف في وجه الريح فكنت أتمنى أن اهرب من هذا الواقع المرير ولكن لا استطيع فكنت

 

دوما أشعر بأني أضعف البشر ....

واختتمت ليلى روايتها "فبعد معاناة طويلة وصراع دام سنين وسنين مع أخوالي

وعمي وجدي فتركوني أخيرا .. ولكن بعد ماذا بعد أن دفنت أحلامي في مزارع

الأبقار وأعمال المنزل الشاقة بين أيديهم وسنين عمري التي ذهبت سدى فأنا الآن

تجاوز عمري السابعة والعشرين ولكن ما حدث لي جعل وجهي يبدو وكأني في

الأربعين من العمر فسبب كل هذا أبي الذي سافر ولم يعد .