محمود الهباش ،،، والرد على الكلمة بالرصاصة

     كنت في مقالٍ سبق عملية إطلاق النار على مكتب وزير الأوقاف الفلسطيني الدكتور محمود الهباش بمدة قصيرة، كنت قد سردت للقارئ الكريم تفصيلات المواقف والتصريحات والهجمات والاتهامات الجنونية التي كيلت ضد الوزير، واشتدت وتيرتها في الفترة الأخيرة بشكل بعث في نفسي الخوف، لأنها باتت تنبئ بأن الوزير قد يتعرض لمحاولة إبعاد عن الساحة السياسية بمختلف الوسائل، وكنت قد فسرت للقارئ الكريم أيضاً سبب الهجمات والتصريحات والاتهامات، كما توقعت له أيضاً (للقارئ) أن وجود هذا الرجل في السلطة يعني أن عدوّاً شرساً لهم (لأعداء القيادة الفلسطينية) موجود للدفاع عن السيد الرئيس والقيادة الفلسطينية من هجمات مرتقبة، قد تكون قريبة ..!

هذا ما توقعته في مقالي المنشور بتاريخ 14/12/2013، وكانت الجملة الأخيرة في المقال هي :" فلنسجل هذه الكلمات وليعرف التاريخ أن ثمن قولة الحق ستكون غالية ...!". وما هي إلا أيام، حتى حدثت واقعة إطلاق النار على مكتب الوزير في مقر وزارة الأوقاف بعد دقائق من دخوله المكتب، العملية المذكورة لم تكن عملية "تخويف" لهذا المسؤول الحكومي، إنما كانت عملية اغتيال كاملة، نجا منها الرجل بقدرة من الله، العملية كانت تصفية جسدية كاملة لم تتحقق بأعجوبة وبلطف من الله ..

في حقيقة الأمر، كانت العملية مفاجئة فعلاً، رغم ما سبق ذكره من توقعات بمحاولات متوقعة لإبعاد الرجل عن الساحة السياسية، ولكن أن تكون بعملية اغتيال في مقره وبتوقيت سياسي حرج، كان الأمر مفاجئاً، ربما كان القرار لا يحتمل التأجيل، لأن هناك مؤامرات هائلة ضد القيادة الفلسطينية تنتظر التنفيذ في ظل حالة الرعب الكبرى من الوضع السياسي القادم، ربما هذا التحليل الأقرب للمنطق، مطلوب لأعداء القيادة الفلسطينية رحيل كل من يمكنه قيادة معركة جديدة ضدهم حال اندلعت، إنها معركة الحجة والدليل والبرهان، وهي السلاح الأنجع والأقوى والأشد فتكاً.

لا نستطيع تحديد ماهية هؤلاء الأعداء، هم ليسوا أجسام هلامية أو مخلوقات غير بشرية، لكنهم خفافيش الخفاء والمؤامرات والظلام، ربما يتضررون من بقاء القيادة الفلسطينية الحالية المحافظة على الثوابت والمبادئ التي رسمها ياسر عرفات بدمه وكل الشهداء، وربما أهدافهم تتقاطع مع مشاريع وحلول الكيان الإسرائيلي في تغيير القيادة بقيادة منتدبة، ربما عل غرار مجلس الحكم الانتقالي في العراق بعيد إسقاط النظام العراقي ... أقول ربما ..!!

 التقيت الدكتور محمود الهباش بعد محاولة اغتياله بأيام قليلة، فاجأني الرجل – الذي ألتقيه للمرة الأولى- فقد تحدث كلمات ثابتة واضحة، لم تكن كلماته ضعيفة أو مهزوزة، قال إن محمود الهباش سيبقى كما كان قبل محاولة الاغتيال الفاشلة، وقال إنه مشروع شهيد، لأن دم القادة الشهداء ليس أغلى من دمه، وقال أيضاً إنه يشفق على مطلقي النار عليه لأنهم ضعفاء، فالرد على الكلمة لا يكون بالرصاصة إلا من ضعيف لا يمتلك الحجة، الهباش قال لي إن سلاحه هو المنطق والعقل والدليل الشرعي، وليس النار والبارود، الهباش فاجأني لأنني تأكدت من خلال اللقاء القصير أن الأوفياء لهذا الوطن لا يزالون على العهد، وأن الرئيس أبو مازن قد عرف أيّ الرجال هو محمود الهباش، لقاء مع محمود الهباش تمنيت أن يطول لأنه علمني الكثير، علمني أن الواجب والفكرة والانتماء الحقيقي لهذا الوطن له ثمن، يدفعه المناضل لأعداءٍ يعرف بعضهم وبعضهم الآخر يختفي في العتمة والليل وراء مشاريع "لا وطنية" تستهدف المشروع الفلسطينية الأسمى (الدولة والقدس والثوابت).

إن استهداف وزير فلسطيني بمحاولة اغتيال، لهو التجاوز الأعنف لكل الخطوط الحمراء، لأنه يمس بالأمن القومي الفلسطيني بشكل مباشر، ومثل هكذا أحداث تصب في صالح الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر، مما يستدعي من الجميع الحذر والانتباه كل المأجورين، وملاحقتهم وتقديمهم للعدالة الفلسطينية، لأنهم زعزعوا أمننا الوطني، في ظل معركة المفاوضات الطاحنة التي يحاول عدونا فرض شروطه التي يواجهها الرئيس أبو مازن بثبات الموقف والكلمة، بأننا لن نقبل بأقل من دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 67 وعاصمتها القدس الشريف، فالحذر الحذر من عمليات استهداف أخرى لأي قيادي فلسطينيّ، ونحن في ربع الساعة الأخير بالنسبة للمفاوضات وتحقيق الدولة والإفراج عن الأسرى وكشف المتآمرين لاغتيال الشهيد ياسر عرفات، ففي المراحل الأخيرة دوماً تكون محاولات خلط الأوراق وتغييب القيادات.