لسببٍ أو لآخر لم تقترنْ في وجداني مناسبةُ انتهاء عامٍ وابتداء آخر بطقس التمنيات، رغم إحساسي الطاغي بغموض دوران الأفلاكفي الفضاء والتموقع المخيف للكواكب والنجوم والمجرات، وحرصي على الخلوة المشوبة بالرهبة في تلك اللحظة العابرة من حركة الكون التي تنتجالزمان والخيال، وحضور الأسئلة الرياضية للفلك وتصوري للثقوب السوداء التي تبتلع مجراتٍ بأكملهاوأمنياتٍفي لاأبعادٍ تفتح على إبهام التجليات،
لم يكن من طقوسنا ولم يكن في مقدورنا هذا الترف، فقد كنا نحس أن المستقبل قاب قوسين أو أدنى من متناول أيدينا، وكان رصيدُنا من الثقة بالذات يجعل التمنّي مرادفاً للعجز وإلقاء العبء على الهباء،
كما كان السياق الذي شكَّلَنا يرزحُ نحت واقعٍ يجعلُ التمنيَ ألماً وعبثا، فالكيانُ الصهيوني بثقله المادي والموضوعي يجعل التمنيَ ضرباً من السلبية وإلقاء شكل المستقبل على كاهل الصدفة، فكانت طاقة الحلم تنزاح لأشكالٍ من التصريف تميلُ لبلورته وتلوينه نقطةً نقطة وإرجاء ولادته لأجيالٍ قادمة، المفردات الصعبة تضيء طريق الروح وتصوغُ حلماً هائماً في هواجس الجغرافيا والتاريخ والمقدس، كنا نكتفي بتخزين طاقة الحلم وإرجاء الأمنيات، فلم يكن أجملَ من زيارة بيتك الأول المسكون من مغتصب الحق الأول، والتعريج على تضاريس الجغرافيا والاندهاش أمام قبر الخليل وطريق البراق،
كان التوقف من أجل أمنية أشبه بحالة يأس، وإعلان عجز وتسليمٍ بواقع، بما يلزم لحالة التمني من تجاوز لسيكولوجية مكابدة تجاوزِ الحال، فكأنْ لا وقت لكيمياء الأمنية، في أتون القلق والخوف والتشرد والتوتر، وكأنّ التمني ليس إلا رهنَ الحلمِ لإرادةِ الآخر وتصريفاتِ السياق،
وفي الطريق إلى الحلم صنعنا حلماً آخر، صنعنا عالماً افتراضياً من شعرٍ ونظريات وركامٍ من أبجديةٍ وأبحاث ومؤسسات، كان العالمُ أضيقَ من أن يتسع لحلم البسطاء، وأدركنا أنّ جلَّ المسافة بين الأمنية والحلم هي أن يكون المتمنّي شريكاً كاملاً في صياغة المستقبل، لا هامشيّاً على ولا مهمّشاً من الحياة،
ركامٌ من الأحلام يسكنني، تبدأ وتنتهي في أن يكون الإنسانُ سيدَ الأحلام والأمنيات، أن يصنعها لا أن يتمناها، أن يكون صائغاً لها في منظومته، شريكاً ومسؤولاً، الأمرُ أسهلُ من المستحيل، وأصعب من الممكن، حينها لن تكون أمانيُّ، لأنّ المتاحَ أجملُ من الأحلام، شيءٌ يشبه كرامة الإنسان، والاحترام والحق والعدل والخير والجمال، حينها سنكون فعلاً ما نحلم .. سنكون حقاً ما نريد ......