في مطلع العام الميلادي الجديد سأبدأ من حروف الهجاء كغير العادة بالياء من يرموك شعبنا الفلسطيني هناك في ليل المخيم الكئيب وقد أكله الحصار والتقمه الجوع على مدار العام المنصرف وراح ضحية معركة لاناقة له بها ولا جمل ، فلعل ناطقي الضاد نسوا أو تناسوا حرف الياء كأداة للمنادي في قواميس اللغة وإيقاعها الموسيقي في سلم الشعر والبحور والقوافي وأنشودة الأبجدية والهجاء في حروف العرب فيا سامعين الصوت لم لا تسمعون هذا الصوت الحزين القادم من هناك من مخيم اليرموك المختطف وهو يموت في اليوم ألف مرة ومرة في زمن الثروات العربية وأمراء الحروب والأباطرة المرتزقة ، فإلى متى وإلى أين وفي أي البحور سيلقون حتفهم بحثا عن طوق نجاة ، فيا يرموك تربع بحرف الياء على رأس حروف الهجاء وإن تكسرت قواعد النحو فربما اعتادت أمتنا أن تنهل من رأس النبع كي لا تغرق في القاع إذ أنها لا تتقن الغوص في العمق بحثا عن الأحجار الكريمة في صدفات الدر الكامنة في الضمائر المستترة .
لكن الواو قبل الياء لازمة فما أحوجنا لحرف الواو في وحدة تجمع شمل الفرقاء في فلسطين التي تحبهم وهذا حق عليهم فلماذا كل هذا الشقاق يا أبناء الشعب الفلسطيني الواحد ، لقد أعمل فيكم الإنقسام ما أعمل وفت من غضدكم كثيرا فمتى تتحقق الوحدة والإنصهار دون همزة وصل في الهواء ولا على كرسي متصل فدعونا نبقى على واو الوحدة بثمان وعشرين حرف من حروف الهجاء ، فمن قال أنها بالهمزة تسع وعشرين فما أحسن البلاء .
واسمحوا لي أن أهبط قليلا أو أرتفع كثيرا أو أبحث في وسط حروف الهجاء لأختار على مشارف فجر هذا العام حرف الفاء ربما فتح وربما فلسطين ولكنني أرجح فتح ليس لأنها أغلى من فلسطين بل لأنها حركة الشعب الفلسطيني الذي آمن بها لأنها الكل الوطني الفلسطيني ولأنها انطلقت في ليل الفاتح من يناير فأصبحت انظلاقتها ذكرى وتقليد قي مطلع كل عام فعودي يا فتح إلى فلسطين ، عودي لأبنائك الخيرين الميامين ، لا تذوبي إلا في قانون المحبة ، فما زلت بخير وعافية يا فتح رغم كثرة الندوب ووقع الضروب وتعدد الدروب وكثرة الحروب ، كوني على رأس الصفحة الأولى لثورة المارد الأسمر بيرقا وبيدقا وخير عنوان لهذا الزمان ، أما حرف الفاء في فلسطين فهي الفاء السببية للحياة ، فما نحيا إلا بها وعليها نحيا كما نشاء ، فكم تستحقين منا يا أرض المعراج وموطن الأنبياء وبوابة الأرض إلى السماء ، كوني بخير وإن جار عليك الزمان ، ففاء الفتح وفاء فلسطين توأمان لا ينفصلان على مر الزمان فلا تهني يا فتح ولا تحزني فإن ليل فلسطين سينجلي .
أما حرف الغين في غزة بكى من وجع أشج بها منذ زمن وفاض بحرها من دمع سنين خلت فكم من عزلة جطت بها فيا غزة ألا آن لك أن تستريحي قليلا على رمل الشاطئ وتتنسمي عبير البحر وتنامين في حضن القمر ، مسكينة أنت ياغزة في عتم الليل تبحثين عن بقعة ضوء تخلدين إليها وعن ظل تستفيئين به من لهيب ذات شمس حامية ، أو عن كسرة خبز في لحظة حصار جائر ، حرف الغين في غزة يختزل كل حروف الهجاء بل كل لغات العالم في زمن الردة والتردي وتهافت التهافت ، غزة غيمة كبيرة في خرافة الدم لكنها ستنتصر عليه حينما تستمطر شآبيب الرحمة من السماء وتنقشع تلك الغيمة اللئيمة لأن غزة تحب البحر والمطر وتعشق الحياة رغما عن الموت الذي يتربص بها فأغيثوها يا أمة العرب .
وفي حرف الحاء حماس التي أحبها الناس واعتبرت نفسها للمقاومة أساس قد ألم بها ما ألم من الضربات وبقيت حماس ولكن في حرف الحاء أيضا حياة للناس لن تكتمل دورتها إلا بالوحدة ما بين حماس وشقيقتها فتح وهذا مطلبا للناس فلا مناص من اتحاد شطري الوطن شمالا وجنوبا ليغدو كبيرا وجميلا وبصرف النظر عن كل تداعيات الشقاق بين فتح وحماس إلا أنه عليهما أن يتصالحا ليتوحدا من أجل الحرية والإنعتاق والخلاص فما أجمل حركتي الناس فتح وحماس حينما يتحدان وكما يقول الشاعر : تأبى الرماح إذا اجتمهن تكسرا وإذا افترقنا تكسرت آحادا ، فليكن هذا العام الجديد عام المصالحة والوحدة وعام النصر للوطن وللدولة العتيدة وعاصمتها الأبدية القدس الشريف ، فكونا فتح وحماس خير من أخرج إلى الناس .
ولا ننسى حرف الجيم من الجهاد وجبهاتنا الفلسطينية كافة فلا تتحمل وحدها فتح وحماس مسؤولية عدم إنجاز الوحدة والمصالحة فأنتم على خريطة الوطن شركاءا في ذات المصير وشعبكم يحتاجكم ويحتاج منكم أكثر من ذلك بكثير فكونوا على قدر المسؤولية ولننحاز جميعا إلى الشعب كي ينتصر الوطن بالوحدة فحينما ننتصر للوطن فحتما سينتصر الشعب وأنتم الشعب والشعب أنتم فقد كنتم تاريخا ولتكونوا حاضرا ومستقبلا فلا حاضرا ولا مستقبلا إلا بوطن سليما ومعافى موحدا ومتحدا فخذوا دوركم في الطليعة وأظن أنكم ستكونون كذلك .
عذرا إن قلبت حروف الهجاء وبدأت من الياء فما زالت الصورة مقلوبة ، وفي الياء أداة النداء ولعل السامعين يلبون النداء وإن كنا قد سئمنا ألف الأماني في مطلع سلم الأبجدية والهجاء ولكن يبقى حرف الألف فاتحة خير كل حروف تعريف وتصريف اللغة ، فكما في حرفي السين والشين سلاما وشهداءا ففي حرف الألف أسرانا وأحرارنا وشرفاءنا الذين هم كالجرحى والشهداء مشاعلا للوطن وعنوانا للحرية والتضحية والفداء ونختم بحرف الألف بالأماني وليست وحدها فكما يقول الشاعر : وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا ، فلنثابر ففي العمل حياة .