نودع عاما وستبقى العيون شاخصة بانتظار شمس الامل

بقلم: عباس الجمعة

عام مضى ... وعام قادم ينثر أوراقه على عجل، وغالباً دون استئذان، ويرمي شباكه في قلب الأحداث مستعيناً بما أمطرته الأيام والشهور التي انصرمت، بعد أن اتكأ طويلاً على مساجلات واحداث مفصلية في التاريخ، وتقاذفته الاحتمالات والاستنتاجات من ضفة إلى أخرى.

الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال ما زال يناضل ، ومضى عام قدم خلاله 27 شهيدا في الضفة الغربية، وتسعة آخرين في غزة بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي، وانطلاقة شرارة الكفاح المسلح التي تمضي في عامها التاسع والأربعين من عمرها، في ظل حالة الانقسام المقيت في البيت الفلسطيني، وفي ظل وضع مأساوي يعيشه الشعب الفلسطيني في مخيمات سوريا حيث يسقط الشهداء والجرحى ، وحيث المعاناة الانسانية التي لا توصف، فالاحتفال الحقيقي يجب ان يُتوج بخطوات عملية من أجل ترتيب البيت الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية وتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية من خلال شراكة وطنية حقيقية، وطي ملف الانقسام الداخلي من خلال اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني في الساحة الفلسطينية، ورسم استراتيجية وطنية تستند لكافة اشكال المقاومة حتى يحتفل الشعب الفلسطيني بعيد انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في ذكرى انطلاقتها، عيداً يجدد مسار الثورة والنضال بمواجهة الاحتلال والاستيطان حتى تحقيق فجر الحرية المشرق فجر الحرية والاستقلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس / وعودة الشعب الفلسطيني في الشتات والمنافي الى دياره وممتلكاته على ارضه ووطنه التي هجر منها عام 1948 .

اليوم نحن نفرح باطلاق دفعة جديدة من الاسرى قدموا غالي التضحيات فداء للأرض والانسان والعودة والحرية والاستقلال. ونحن نتطلع الى استمرار النضال من اجل تحرير كافة الاسيرات والاسرى في سجون الاحتلال.

واليوم الشعوب العربية تتطلع الى العام الجديد عام 2014 وبانفعالاتها، يسجلون في ذاكرتهم أن العام الماضي كان استثنائياً في تكالب المتربصين ومرتزقتهم وأُجرامهم وإرهابهم، واستثنائياً في الصمود، فكان عام المواجهات الكبرى التي ارتسمت فيه درجات الشحن والتحريض المذهبي والطائفي، التي تديرها دوائر الشر بهدف حرق الأخضر واليابس، ،وما يحدث من تطورات دولية وإقليمية وعربية، على أنغام وصيحات كذبة "الربيع العربي" حيث تعيش المنطقة واقعا مريرا ملطخا بالدماء ومليئا بروائح الموت، ويزداد هذا الواقع المرير وضوحا وقسوة ومرارة في الدول التي أصابها داء الإرهاب المتكون من كذبة "الربيع"، وأمام هذه المأساوية والمرارة المعممة بالدماء وروائح الموت والدمار والخراب ونيران الإرهاب تبدو الحاجة أكثر إلحاحا لمواجهة ما يحاك من مؤامرات امبريالية استعمارية بهدف السيطرة على المنطقة وتنصيب حليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني شرطيا عليها.

ومن هنا نرى استغلال الادارة الامريكية الى ما يجري في المنطقة بهدف الوصول الى فرض اتفاق مرحلي لانهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي وهو يشكل نافذة لتأبيد تفوق الكيان الصهيوني وتهويد فلسطين كرأس حربة لمشروع الشرق الأوسط الجديد الهادف إلى تفتيت العالم العربي وخاصة دول الطوق. وهذا ما تؤكده نتائج التدخل الأميركي في العراق والحرب الأهلية في سوريا والمخاطر المهددة للبنان نتيجة تداعيات هذه الحرب إضافة إلى مصر التي جرى إخراجها، نتيجة اتفاقية "كامب ديفيد"، من معادلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي والحجر على ثورتها الشعبية عبر السعي لدعم جماعة "الإخوان المسلمين" في مواجهة الحكومة الحالية والحركة الشعبية التي رفضت سياسة الهيمنة التي اعتمدها "الإخوان" طوال عام من حكمهم ، ورغم ما يحاك نقول بكل وضوح ان ارادة الشعب الفلسطيني ومعه الشعوب العربية وكافة احرار العالم سوف تحبط المشاريع الاستعمارية لانها تستند بنضالها الى تضحيات الشهداء وعذابات الأسرى واللاجئين من أبناء شعبنا ومعاناتهم ما يساعدهم على المضي فيطريق النضال ، لان إيماننا الأكبر بان هذه القوى سوف تتمكن من اسقاط المؤامرة وأدواتها من خلال ما نشهده من حالة ثورية بمواجهة واسقاط ما يسمى بمشروع قوى الإسلام السياسي، التي حاولت استيلائها على السلطة الى حرف الثورة عن أهدافها بدعم من الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها، وخاصة ان الشعوب العربية تنبهت لمخاطر ما يجري وهي تواجه اليوم بنضالها حقها المشروع في التقدم الاجتماعي والتحرر الوطني من الامبريالية.

وفي ظل ما يعانيه فلسطينيي سوريا، من رحيل قسري ، وما يجري في مخيم اليرموك والمخيمات الاخرى في سوريا من كوارث إنسانية ، حيث الموت اما الرحيل إلى المجهول، هذا الشعب المؤمن بثقافة العودة وحق العودة يتعرض للموت البطيء نتيجة الأزمة السورية التي تدفعنا للقول، لماذا يعاقب الشعب الفلسطيني ، وهذا يستدعي من الجميع حيادية المخيمات وتجنيب الفلسطينيين ويلات الصراع الدائر في سوريا وفك الحصار عن المخيمات وتحديدا مخيم اليرموك ، وتأمين عودة آمنة للنازحين من اللاجئين الفلسطينيين إلى مخيماتهم والحفاظ عليها بيئة آمنة تحتضن اللاجئين الفلسطينيين لحين عودتهم الى ديارهم .

ان قوى التكفير والإرهاب هي أداة العدوان الاستعماري التي تتعرض له المنطقة ، وان هذه الأداة تخدم خطة تمزيق المجتمعات وإغراقها في اتون من الصراعات ، ومن هنا نرى انه لا يمكن القضاء على الفكر التكفيري بكل ما يحمله من إرهاب يقضي على الإنسانية ويحول الحضارة إلى غابة يغيب عنها العقل، مما يستدعي وحدة الفكر المقاوم للإرهاب والتخلف والجهل والاستعمار بجميع أشكاله، وان المستفيد الوحيد مما يجري هو القوى الإمبريالية والصهيونية التي تستهدف زعزعة أمن لبنان وشعبه ، ومحاولة ضرب العلاقة الأخوية اللبنانية الفلسطينية المعمّدة بالدم في مواجهة العدو الصهيوني مما يتطلب تحصين الساحة الوطنية من مروجي الفتن المذهبية، فلبنان اليوم يدافع عن وحدته بمواجهة بلاء الإرهاب كما يدافع جميع شعوب العالم .

من هنا نرى بان المشروع ، الأمريكي ، الصهيوني ، الإستعماري وادواته في المنطقة تتراجع، وتتقدم وتبرز قوى عالمية وإقليمية ومحلية، لتحتل لها مكانة ودوراً في هذا العالم،روسيا والصين ودول البركس ومعها ايران، والانتصار على الإرهاب والقتلة، واستعادة المشروع القومي العربي في مصر لعافيته،وتعاظم قوة حزب الله، هذه كله يدفع لتغير خارطة المنطقة وتحالفاتها بشكل كامل ، وما يجري اليوم من اعمال ارهابية تستهدف لبنان والمنطقة لن تثني من استمرار المواجهة مع هذا المشروع الامبريالي حتى اسقاطه

ومع بداية عام جديد من الألفية الثالثة ،نقول ان الإنسان العربي مدعواً لأن يشدد من وعيه بكل ما يحيط به ،خصوصاً في ظل تطور وسائل الإتصال والإعلام، من الكمبيوتر الى الهواتف الى التلفزيون ووسائل البث المختلفة،مما جعل الانسان وكأنه يلبس نظارة خاصة صنعت بدقة متناهية في الخارج لأن يبقى أسيرها بحيث أصبح من الصعوبة بمكان ان نتأمل صورة او نشاهد مسلسسلا او فيلما او نقرأ خبرا دون الاستعانة بها، أو البقاء أسرى مساحة الرؤية التي تفرضها علينا, فأصبح كل ما هو خبر او نشاط سواء كان سياسيا أو فنيا أو ادبيا او تراثيا، كأنه اثر من ضمن رؤية النظرة الخاصة.

ختاما : من نافل القول ونحن نودع عاما ستبقى فلسطين شاخصة بانتظار شمس الامل، وستبقى تسجل صفحات النضال في سفر التاريخ الفلسطيني والعربي حتى يتحقق النصر القادم والعودة القريبة ورفع علم فلسطين فوق مآذن القدس.