يعاني قطاع غزة منذ سبع سنوات من أزمة انقطاع التيار الكهربائي الدائم والمستمر وبشكل يومي مما زاد من معاناة المواطن الفلسطيني في غزة لأنها تمس مختلف جوانب الحياة بالإضافة إلى تأثيراتها وانعكاساتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية والنفسية, وتعد هذه الأزمة امتداداً لمجموعة متواصلة من الأزمات تتصاعد حدتها بتغير الظروف والسياقات المؤثرة بها.
إذ يتم تزويد القطاع بالكهرباء من ثلاثة مصادر: الجانب الإسرائيلي, ويزود القطاع عن طريق عشرة خطوط وبما مجموعه 120 ميجاوات, والجانب المصري يزود غزة بنحو 27 ميجاوات من الكهرباء عن طريق خطين رئيسيين, والشركة الفلسطينية للكهرباء والتي لا تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية حيث توفر نحو 65 ميجاوات وهو ما يشكل 50% من طاقتها الكاملة التي تبلغ نحو 130 ميجاوات, وبذلك فإن إجمالي المعروض من الطاقة الكهربائية في قطاع غزة من المصادر الثلاثة يبلغ نحو 212 ميجاوات, في المقابل تتباين احتياجات غزة من الكهرباء موسمياً, حيث تبلغ الذروة 440 ميجاوات في فصلي الصيف والشتاء, وتتراجع الاحتياجات إلى 380 ميجاوات باقي أوقات السنة, وبالنتيجة يظهر عجز كبير يصل لأكثر من 150 ميجاوات من احتياجات قطاع غزة من الكهرباء.
في الآونة الأخيرة شهدت أزمة الكهرباء في غزة تطورات مهمة تمثلت في توقف الشركة الفلسطينية للكهرباء عن العمل من جهة, بسبب انقطاع السولار والبنزين الوارد عبر الأنفاق مما أدى إلى تفاقم الأزمة بشكل كبير حيث أصبحت الكهرباء تقطع بمعدل يصل إلى 18 ساعة يومياً أي بمعدل 6 ساعات وصل للتيار الكهربائي فقط, بينما كانت تقطع الكهرباء يومياً من 8 ساعات إلى 12 ساعة حسب حجم الأحمال والضغط على الشبكة. ومن جهة أخرى الجانب الإسرائيلي يرفض تزويد غزة بالكهرباء في ظل عدم تسديد أثمان الكهرباء للشركة الإسرائيلي كما أن الجانب الإسرائيلي يستخدم ملف الكهرباء كعامل ضغط سياسي ضد الفلسطينيين.
إن من شأن استمرار الأزمة التأثير على قطاعات واسعة في قطاع غزة, حيث تأثرت كافة القطاعات الاقتصادية, القطاع التجاري والصناعي والزراعي بالإضافة إلى قطاع الخدمات, وتأثر القطاع التجاري بقلة الحركة التجاري وضعف القوة الشرائية لدى المواطنين نتيجة لارتفاع الأسعار بسبب الأعباء المالية التي يتحملها أصحاب المحال التجارية جراء شراء السولار والبنزين وصيانة المولدات.
أما على صعيد القطاع الصناعي, تشير المعطيات إلى أن العديد من الورش والمصانع والمنشآت الاقتصادية قد توقفت كلياً أو جزئياً عن العمل في ظل الانقطاع المستمر للكهرباء مما أدى إلى انضمام العاملين في هذه المنشآت إلى صفوف العاطلين عن العمل.
ولم يكن القطاع الزراعي بحال أفضل, حيث أدى انقطاع التيار الكهربائي إلى توقف المئات من آبار المياه عن العمل, وعدم توفر المياه اللازمة لري المزروعات المختلفة وتعرض العديد من المحاصيل الزراعية للتلف.
يضاف إلى ذك التأثيرات المصاحبة لانقطاع التيار الكهربائي على القطاعات الخدمية وخاصة في المجال الصحي ورغم لجوء العديد من المنشآت الصحية لاستخدام مولدات كهرباء خاصة بها, إلا أن صعوبة توفير السولار الصناعي اللازم لتشغيل هذه المولدات يشكل عائقاً أمام استخدامها ويسهم في استمرار التأثيرات المصاحبة لأزمة الكهرباء في غزة.
في سياق متصل طالت التأثيرات المسيرة التعليمية من خلال تأثيرها على عمل المعدات والتجهيزات وأجهزة الحاسوب التي تعتمد على الكهرباء مما يؤثر على البيئة المدرسية, بالإضافة إلى المخاطر النفسية والاجتماعية والتأثير السلبي على قدرة الطلاب على متابعة دروسهم في ظل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.
على الصعيد الاجتماعي لا يجب أن نغفل المخاطر المصاحبة لاستخدام الأساليب البديلة للإنارة كالشموع, وسوء استخدام المولدات وعدم وجود أنظمة الحماية الكافية فيها, وما يترتب عليها من كوارث أصابت, وقد تصيب العديد من العائلات.
بعد سبع سنوات من المعاناة والتي تسببت في العديد من الآثار السلبية في كافة القطاعات يتطلب من صناع القرار الفلسطيني الوقوف أما مسؤولياتهم لإيجاد حلول فورية لمشكلة الكهرباء في غزة, وذلك لمنع تدهور الأوضاع الإنسانية والمعيشية في قطاع غزة.
رائد محمد حلس.. باحث اقتصادي .. فلسطين