مما لا شك فيه بان قطر شكلت وتشكل القاعدة الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين على مستوى المكان وشريانها المالي الرئيسي،وأغلب القيادات الإخوانية ما زالت تعيش في قطر،وكل القيادات التي غادرت أو هربت من مصر وسوريا لجأت لقطر،لكونها كانت تعمل على تنفيذ السياسة والأجندات القطرية في تلك الدول حيث الرخاء الاقتصادي وحرية الحركة لها من قبل حكام مشيخة قطر،ومقابل ذلك تقوم الجماعة بتسويق قطر إقليمياً وعربياً وتعمل على تنفيذ رؤيتها السياسية وخدمة مشاريعها،وقطر كانت تتصور بأنها من خلال تلك الجماعة وما تملكه من مال قادرة على تعظيم دورها العربي والإقليمي وحتى القدرة على قلب وتغير انظمة،ولم تكتفي بذلك،بل كانت تعمل على تسويق المشاريع الأمريكية في المنطقة،مستغلة غازها وبترولها وأسطولها الإعلامي قناة "الجزيرة" من أجل عمليات التضليل والخداع وقلب وتزوير الحقائق والقدرة والتأثير على الرأي العام لتغيير مواقفها وقناعاتها وأفكارها،وشراء الذمم والمواقف لقوى واحزاب وأفراد،وأيضاً السياسة الخارجية القطرية كانت تنتقل من النقيض الى النقيض،في مؤشر على مدى التخبط والارتجالية والانفعالية في المواقف والسياسة القطرية،والتي لا تحتكم الى استراتيجية ثابتة،بل الى مصالح تمليها ليس مصالح حكام ومشايخ الامارة،بل في الكثير من الأحيان تكون خدمة لمصالح وأهداف مستدخلة ومفروضة على الامارة من امريكا والغرب الاستعماري.
فقطر قبل ما يعرف ويسمى ب"الثورات العربية"،أو الربيع العربي بالتوصيف الأمريكي والغربي،كانت تشكل في علاقاتها جسراً وتوازناً ما بين معسكري "الواقعية العربية" الرسمية،وانظمة وقوى المقاومة والممانعة العربية(سوريا وحزب الله والمقاومة الفلسطينية،وبالذات حركة حماس)،ولكن كانت عملية الإنعطاف والإنتقال من النقيض الى النقيض،بعد ما يسمى ب"الثورات العربية"حيث وقفت قطر ليس مع تلك "الثورات" العربية،بل هي من دعم ومول سيطرة الإخوان على تلك "الثورات"،وكذلك هي من كانت تقوم بدور العراب من أجل إستقدام التدخل الأمريكي والغربي في الشأن الداخلي العربي،خدمة لمشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي،ورأينا كيف تدخلت القوى الغربية الأطلسية في ليبيا وسيطرت على النفط والغاز،ولم تعد هناك حكومة مركزية في ليبيا،بل عشائر وقبائل تقتتل على المراكز والسلطة والنفوذ،وانتشرت المافيات وميليشيات البلطجية والزعران،وأصبحت البلد مقسمة فعلياً الى ثلاثة أقاليم،أما في سوريا،والتي كانت قطر تربطها بها علاقات فوق الجيدة،فرأينا كيف كان الإنتقال القطري من النقيض الى النقيض،مراهنة قطر على أن النظام السوري لن يستطيع الصمود أمام ضخامة حجم المؤامرة والحرب الكونية التي ستشن عليه دولياً وإقليمياً وعربياً،ولم يكن التدخل القطري على مستوى التسليح والتمويل والتحريض والإيواء،بل تعدى ذلك الى سحب الشرعية من النظام من خلال السطو القطري على قرارات الجامعة العربية،والضغط عليها وإجبارها على اخذ قرارات بفرض عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية ودبلوماسية على سوريا،وتسليم مقعدها في الجامعة العربية والدول العربية الى ما يسمى بالإئتلاف الوطني السوري،وكذلك حاولت إستصدار قرار أممي من مجلس الأمن الدولي لتدخل عسكري في سوريا ضد النظام تحت الفصل السابع،ولكن روسيا والصين افشلتا ذلك،وكذلك مارست قطر ضغوطها على قيادة حركة حماس كذراع وجزء من حركة الإخوان المسلمين،لكي تحدث استدارة هي الأخرى في مواقفها من النقيض للنقيض،وفي سبيل مصالحها وفئويتها،ضحت بحلفائها السابقين،الذين حضنوها في وقت رفض اقرب المقربين لها إحتضانها وإيوائها،وغادرت الشام نحو قطر.
وأيضاً في مصر وفرت كل أشكال الدعم للنظام المصري السابق،بقيادة حركة الإخوان المسلمين،ودعمت كل خطواته ومواقفه في اخونة مصر سلطة ومجتمعاً ومؤسسات،وشجعت نظام الحكم فيها على رفع حالة الإستعداء للنظام السوري،وكذلك كانت تطلب من قادة الإخوان ومرشدهم،القيام بأوسع حملة تحريض ضد النظام الإيراني،والعمل على شيطنته،هو وحزب الله،من اجل نقل الفتنة المذهبية والطائفية من مستوياتها الرسمية الى مستوياتها الشعبية،صراع سني- شيعي،وحرف الصراع العربي- الإسرائيلي عن قاعدته،وتحويله لصراع عربي- فارسي،ولكن سقوط مرسي ونظام الإخوان وجه لطمة قوية الى مشيخة قطر والإخوان،وكذلك عدم سقوط النظام السوري والتراجع الأمريكي عن توجيه ضربة عسكرية له،وجهه ضربة قاصمة للإخوان ولقطر،والتي رغم ذلك إستمرت في دعم الإخوان،والتدخل في الشؤون الداخلية السورية والمصرية،بل قطر عبر "الجزيرة" كثفت من عمليات التحريض على النظام الجديد في مصر،وكانت تعمل على تزوير الحقائق وبث تقارير إعلامية مفبركة ومزورة،وصورت الصراع بين النظام وجماعة الإخوان على انه نزاع بين الحكومة وجماعة الإخوان،ودعت النظام المصري الى عدم إستخدام العنف ضد مظاهرات جماعة الإخوان في تدخل سافر بالشأن الداخلي المصري،الأمر الذي حدا بالحكومة المصرية الى إستعداء السفير القطري،وإبلاغه برسالة إحتجاج مصرية شديدة اللهجة على ما تقوم به قطر و"جزيرتها" من تدخل في الشأن الداخلي المصري،حيث الصراع بين الحكومة والشعب المصري مع جماعة إرهابية، لا تريد لا إستقرار سياسي ولا إقتصادي في مصر،تريد الإستمرار في مسلسل الفوضى والعنف من أجل إفشال أي تقدم سياسي واقتصادي،وإفشال ما بدأته ثورة 30 يونيو الثانية،فالنظام عليه حسم خياراته،نحو شن حرب شاملة لا هوادة فيها،من أجل لا يستمر مسلسل العنف والفوضى الذي تمارسه تلك الجماعة،وبما يحول مصر الى دولة فاشلة وهشة اقتصاديا وسياسيا وعسكرياً،ويشعر المصرين بالقلق على امنهم وإستقرارهم وتطورهم الإقتصادي.
إن جماعة الإخوان لا تستطيع التخلي عن نهجها الإقصائي والإنغلاقي والإستحواذي،وكذلك قطر بسياساتها الخارجية المغامرة،تعتقد بأن ما تمتلكه من بترودولار وكاز وغاز وأسطول إعلامي" "الجزيرة" ميزانيته تفوق ميزانية دول قادرة على أن تنمي وتعظم دوراً عربيا وإقليمياً لقطر،وإحداث تغيرات كبرى في الخارطة الجيو سياسية،ولكن كل هذا لم يفد قطر بأي شيء،بل كان تعبيراً عن حالة مريضة لمشيخة ميكروسكوبية، ولجماعة وجدت نفسها فجأة بالسلطة،تريد هي الأخرى ان تستحوذ على كل شيء وتقيم إمبراطورية إخوانية،تعلي شان الإيديولوجيا فوق الوطن والقومية،ودخلت في صراع مع كل مكونات ومركبات المجتمع المصري،لكي تسقط سقوط مدو بعد عام من وصولها للسلطة .
إن الحب والزواج بين حركة الإخوان ومشيخة قطر،لم ولن يحصد سوى الفشل والمزيد من الفشل،لأن سياسات قطر الخارجية ورؤية جماعة الإخوان ونهجها وفكرها ومواقفها السياسية وإستراتيجياتها تفتقدان إلي المبادئ والاخلاقيات وتتلاعبان بالمصالح العربية العليا،وتفتقدان إلي المصداقية والحد الدنى من الصدقية والمواقف القومية.