دعونا نذهب إلى العالم الافتراضي ونصدّق أن سلاماً تم بين الفلسطينيين من جهة والعرب، وكذلك إسرائيل، وجاء الاتفاق منهياً القطيعة والحروب مع فتحٍ للحدود الأرضية والسماوية والبحرية، والبنوك والسفارات، وعقد صفقات تجارية بالعملة الإسرائيلية (الشيكل) أو الدولار أو النقود المحلية، وصارت فنادق وشقق ومصايف حيفا ويافا وبقية المدن تسحب أصحاب رحلتيْ الشتاء والصيف ليذهبوا إلى هناك كبديل عن مدن لبنان الباردة والمعتدلة «صوفر وبحمدون وفاريا» وغيرها، وصرنا نأكل برتقال يافا وزيتون فلسطين الشهير، وصار تعلّم العبرية للعرب، والعربية للإسرائيليين في المدارس والجامعات، وحدث تعاون علمي مع مراكز بحوثها حول المياه، والصحراء، وعالم البحار والفضاء، وعقدت ندوات بين رجال الأعمال والساسة والعلماء والمختصين، وصار من غير المستنكر رؤية شعوب المنطقة تلتقي بدون حساسيات أو أحكام مسبقة..
هذا الافتراض مجرد خيال تدرك إسرائيل فوائده، لكنها تفضل عزلتها خشية أن تغرق في طوفان عربي جغرافي وسكاني كبيرين، لكن لو تجاوزت هذه العقد وذهبت إلى أنها بيئة مؤثرة رغم صغر المساحة ومحدودية اللغة، وأن اقتصادها ومركزها العلمي وتقدمها التقني سوف تجعلها البيئة المؤثرة لا المتأثرة، لاستطاعت جذب خبرات وعلماء وأموال تستقطب ثروات العرب، وتدورها لصالحها في الإدارة والخبرة والدعاية وغيرها، ولتحولت إلى المجتمع المسيطر والنخبة البديلة، ولأصبحت مثل اليابان في التأثير على آسيا وتحولاتها، لكن هل يمكن لمثل هذا التصور أن يقبله العرب، وتهضمه معدة إسرائيل؟!
وقبل الذهاب بعيداً لحلم غير متحقق دعونا نذهب إلى العقدة الأزلية وندخل دهاليز السياسة والدين وعداوات قرون طويلة، وكيف التغلب عليها لدرجة الشك في أي منتج غذائي إسرائيلي أن يكون مسموماً، أو أي بضاعة تقنية أن تكون مراكز تجسس وإشعاعات قاتلة، وأن موضوع التفوق العرقي اليهودي سيعود إلى الواجهة بإصدار شفرات للجينات، وصناعة أسلحة سرية تبيد العرب وجلب أعراق متفوقة أخرى تحتل أرض الآباء والأجداد، بنفس الوقت لماذا لا نجد نخبة العرب تفهم تفاصيل الحياة الإسرائيلية وما تفكر فيه، وما هي مصادر قوتها ونقاط ضعفها، وهل الأمة العربية مجرد كم بشري لا يحمل بذور التطور، والمقارعة أسوة بالهنود وشعوب جنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقية، أم أن ما خلقه الإعلام العربي من أساطير حول إسرائيل، وأنها تحكم العالم بالمال والإعلام، وعوالمها السرية وفقاً لما جاء في «بروتوكولات صهيون» وإدارتها للمافيا والاستخبارات السرية، وكل ما روجت له وقبلناه بدون تحليل أو استظهار للحقائق في قراءة لتاريخها وأرشيفها وكل معلوماتها المتاحة والسرية، وهي ليست مستعصية أو خلف سواتر لا يصل إليها إنسان؟
ولنذهب أكثر من سيخسر ومن سيكسب من عملية السلام المفترضة؟ وكيف ستسقط أكاذيب إيران التي تبني جيشاً للحرب مع العرب بدلاً من تحرير فلسطين، وكيف سنلغي من أذهاننا غسل الأدمغة الذي قام به نظام الأسد وبقية المتحالفين معه من الفلسطينيين وحزب الله، وكم (عموداً) من سواري الممانعة سيقع لأنه جاء في عصر الوهم؟
وماذا عن الأقوال الكثيرة التي حملت الشعارات والألحان الثورية، وقصائد الحماسة، إذا ما وجدنا البقية منهم أو أحفادهم يتجولون في شوارع فلسطين القديمة؟
لكن كل هذا معروض للحلم لأن إسرائيل هي من يقود الممانعة لأسبابها الخاصة، ونحن وحدنا نعيش عالم الافتراضات!
يوسف الكويليت
كلمة جريدة الرياض