قال تعالى : (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ )[البقرة : 120]
في الوقت الذي تكرس دويلة بني صهيون المغتصبة جهودها بإسراع الوتيرة ، وتجذير وجودها في الأرض المحتلة 1948م و1967م ، وذلك بهدم قرى عربية في داخل الأرض المحتلة 48م وكذلك الضفة الغربية في جنوب الجليل وفي غور الأردن في الضفة الغربية كذلك . في هذا الوقت يخرج علينا كبير المفاوضين ليهدد الكيان الصهيوني باقتلاعه من جذوره إذا حاول العدو الصهيوني سن قوانين لضم غور الأردن إلى الكيان المغتصب ، مما يعني أن غور الأردن سوف يغدو خارج نطاق التفاوض ، هدد بالتوجه للانضمام لهيئات ومؤسسات دولية ، وكذلك التقدم بطلب عضوية كاملة لدولة فلسطين كدولة مستقلة داخل الهيئة العامة للأمم المتحدة في الحال . العدو يبحث عن أمنه وأمن كيانه المغتصب ، بينما مفاوضونا صغاراً وكباراً يبحثون عن ما يهمهم من ال V I P والمرتبات التي تملأ جيوب الأزلام والتابعين . في الوقت الذي يعترف فيه المفاوضون أنه قد ضغط عليهم من أجل العودة إلى المفاوضات والعودة عن الاستقالة ، دون أن يوقف الاستيطان ولو مؤقتاً ، بل إن العدو يعلن جهاراً نهاراً عن بناء مجمع ضخم من سبعة طوابق في المنطقة الغربية ، ولا يبعد عن سور الأقصى إلا عشرين متراً ، وكذلك يعلن عن طرح عطاءات لبناء 5989 وحدة استيطانية ، وهي على وشك الإعلان عن طرح عطاءات لبناء 1400 وحدة استيطانية جديدة ، بالتوازي مع هدم 214 بيتاً ومنشأة فلسطينية ، وتشريد أهلها ، بالإضافة إلى مقتل 33 فلسطينياً منذ استئناف المفاوضات الأخيرة ، واعتقال 600 فلسطيني . رغم كل ما ينتاب الفلسطينيين من مآسي وآلام يعلن محمود عباس أن المفاوضات مع المغتصبين المحتلين لأرضنا وقاتلي شعبنا ستستكمل مدتها وهي التسعة أشهر التي حددتها الولايات المتحدة الأمريكية ، وجعل الباب موارباً بقوله إن لزم الأمر يمكن التمديد بضعة أشهر أخرى شريطة أن تكون هناك نتائج دون أن تتوقف وتيرة الاستيطان في أثناء المفاوضات . رغم ذلك وافق عباس ومن معه على استئناف المفاوضات ، كما وافق على اشتراط الولايات المتحدة الأمريكية أن لا تتقدم السلطة بطلبات انضمام إلى المنظمات والهيئات التابعة للأمم المتحدة ، ومنها محكمة الجنايا الدولية ، ولا للجمعية العامة بتحويل مقعد فلسطين فيها من وضعية المراقب إلى العضو الدائم . في هذا الوقت صادقت اللجنة الوزارية الصهيونية على اقتراح عضو الكنيست ميري زيغيف من حزب الليكود على ضم غور الأردن ومستوطناته إلى الكيان الصهيوني وقامت بالفعل بوضع حجر الأساس لمغتصبة جديدة في منطقة الغور ، وتركت كبير المفاوضين ينعق لما لا يسمع إلا دعاء ونداءً . كما طالب وزير الحرب الصهيوني موشيه يعلون بإبقاء المستوطنات الصهيونية في الغور كافة ، وليس فقط إبقاء الجيش الصهيوني ، بل إن مسؤول المكتب السياسي العسكري فيما يسمى وزارة الحرب الصهيونية قال لصحيفة إسرائيل اليوم : "إذا غادرنا أراضي الفلسطينيين فإن عمليات إحباط الإرهاب – أي المقاومة – ستتضرر ، لذا لن نقبل مطلقاً بأن يحل أحد محلنا ". رغم كل ما يلاقيه المفاوض الفلسطيني اسماً من إهانات وإذلال إلا أنه أثبت أنه لا يحس ولا يغار على أرضه أو عرضه . رغم ما قدمه عباس إلى الصهاينة وما أثخن به شعبه من جراحات ، وألحق به من إهانات إلا أن العدو لم ولن يرضى عنه حتى يثبت أنه صهيوني أكثر من الصهاينة أنفسهم . ألم يقم عباس في بداية تسلمه لمنصبه بإصدار قرارات باعتبار الأجهزة العسكرية لفصائل المقاومة منظمات غير مشروعة ؟!!! وقام بجمع الأسلحة من المقاومين ، خاصة الذين اشتركوا في انتفاضة الأقصى بتهديدهم بالاعتقال والسجن مدداً طويلة ناهيك عن قطع الراتب لمن لا يسلم سلاحه . لقد اعتبر عباس – مثله مثل الكيان الصهيوني – المقاومة المسلحة إرهاباً ، في حين هيئة الأمم المتحدة تعتبرها مشروعة بقرارات واضحة تتيح للشعوب المحتلة أراضيها والمغتصبة إرادتها مقاومة المحتلين بكل الوسائل والسبل . إلا أن عباس ومن معه لا يريدون أن يرجعوا إلى هيئة الأمم التي يهددون باللجوء إليها إذا لم يتوصل المفاوضون إلى حل يرضيانه . والمصيبة كل المصيبة فيمن لا يأخذ العبرة مما حصل خلال عقدين من المفاوضات لم يتقدم المفاوض الفلسطيني ولا أي شبر ، بل إنه يفقد كل يوم شيئاً مما تحت يديه . وكأني به لا يأخذ الدرس لا من القرآن الذي أخبرنا عن صفات بني إسرائيل الكظة ، وأنهم لا ينصاعون إلا بالقوة . ولا من الدروس التي قدمتها المقاومة الفلسطينية عملياً في قطاع غزة حيث جعلت الصهاينة ينسحبون غصباً عنهم دون اتفاق على أي شيء . فأي الفريقين أحق بالاتباع : المقاومة التي مرغت أنف يهود وأجبرتهم على الخروج من أرضنا مدحورين ، أم المفاوضات العبثية التي أضاعت حقوقنا وأرضنا ومقدساتنا ، وجعلتنا كالأيتام على موائد اللئام .
الشيخ الدكتور سالم أحمد سلامة
8/1/2014م