من المؤكد أن العمل مع المخابرات الإسرائيلية خيانة عظمى، ومن المؤكد أن العمل مع المخابرات الأمريكية لا يقل فاحشة وقذارة عن العمل مع المخابرات الإسرائيلية، وذلك لأن المخابرات الأمريكية توظف جل طاقتها وخبرتها لخدمة المخابرات الإسرائيلية، ولتعزيز قدرات الدولة الصهيونية في الهيمنة على المنطقة العربية.
ومن المؤكد أن الممارسة العملية للوطنية تعني معاداة إسرائيل وأمريكا، ومحاربتهم في كل مجال، وهذا يعني أن التحالف مع إسرائيل وأمريكا ومساعدتهم خيانة من الدرجة الأولى، ويعني أيضاً أن مصادقة أمريكا وإسرائيل أو التنسيق معهما خيانة من الدرجة الثانية، وإذا جاز لنا التفريق في مستويات العمالة، فهذا يعني أن التواصل أو الحديث أو اللقاء مع إسرائيل وأمريكا خيانة من الدرجة الثالثة على أضعف تقدير.
ضمن هذا المنطق البسيط الذي يميز بين الوطنية والعمالة، ماذا نسمي من يرتبط مع أمريكا بعلاقات حميمة؟ وما التسمية المناسبة لمن يتلقى من أمريكا دعماً مادياً أو عسكرياً؟ بمعنى آخر؛ من هم عملاء أمريكا وإسرائيل في المنطقة؟
يتهم معظم اليساريين والعلمانيين جماعة الإخوان المسلمين بأنهم عملاء أمريكا وإسرائيل، وأنهم الذراع التنفيذي للسياسة الأمريكية في المنطقة، بل ذهب الأمر بفلول نظام مبارك، وأعداء ثورة يناير في مصر، أن زجوا باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس في أتون الصراع الداخلي، واتهموها بالعمالة لأمريكا وإسرائيل، رغم إدراج أمريكا اسم حركة حماس ضمن قائمة الإرهاب، ورغم الحصار البشع الذي تفرضه أمريكا وإسرائيل على سكان قطاع غزة، ورغم سماع العالم لدوي صواريخ المقامة التي أطلقها رجال حماس على مدينة تل أبيب.
فلماذا يصر البعض على اتهام جماعة الإخوان المسلمين بالارتباط بأمريكا؟ ويصر على اتهام حركة حماس بالخيانة، والتعامل مع إسرائيل؟
وهل معنى هذا الاتهام ان الأنظمة العربية التي دعمت الانقلاب في مصر هي أنظمة عربية معادية لأمريكا وإسرائيل، وسيفها يقطع رقاب كل من يقيم علاقة مع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية؟
أزعم أن المزاج العربي لما يزل يرى في مصادقة أمريكا خيانة، وأزعم أن التواصل مع حكام أمريكا الذين ما برحوا يقدسون العجل الصهيوني، هو عار يندى له جبين العرب، وينز صديداً في شوارع مصر، لذلك كان لزاماً على بعض السياسيين التهرب من صداقتهم الحميمة لأمريكا وإسرائيل، بل والتسابق لإلصاق هذه التهمة بالخصوم السياسيين، والقصد من ذلك لا يهدف إلى خلط الأوراق، وتشويه سمعة الآخر فقط، ولا يهدف إلى تذويب المسافة الفاصلة بين الوطني وغير الوطني فقط، وإنما يهدف إلى نفي تهمة العمالة لأمريكا عن النفس أولاً، وكي يصير طعن الآخر بوطنيته، ومن ثم التحريض عليه بتهمة العمالة لأمريكا، وهذا ما ذهبت إليه المستشارة تهاني الجبالي وهي تقول: إن الإخوان المسلمون وحلفاءهم في المنطقة هم عملاء أمريكا وإسرائيل. في الوقت الذي قال فيه المستشار أحمد الزند في آخر لقاء له: يجب أن نواجه الإخوان المسلمين ومن وراءهم من أمريكان وقطريين وأتراك.
أما من أراد أن يتعرف على عملاء أمريكا في مصر، فعليه أن يدقق في العلاقات الأمريكية مع بعض الدول العربية التي رعت الانقلاب في مصر، وقدمت له مليارات الدولارات، وعليه ان يدقق في الموقف الإسرائيلي الرسمي الذي مثله وزير الحرب الصهيوني موشي يعلون الذي بكي قبل عام على مستقبل إسرائيل المظلم، وهو يقول: إن إسرائيل ستواجه منظمات إرهابية مدربة ومسلحة من أخمص قدميها حتى رأسها، ويصعب لجمها، ويصعب مواجهتها، ستحل محل الجيوش العربية في السنوات القادمة.