أوصت دراسة بحثية أصحاب القرار بعدم التسرع في عملية التحول الديمقراطي وتهيئة الظروف والمناخ الملائمين لاتخاذ القرار للسير نحو عملية تحول ديمقراطي حقيقية مع الحذر في التعاطي مع نتائج ثورات "الربيع العربي", وعدم الاندفاع وراء نشوة إسقاط الأنظمة التسلطية خشية الوقوع في خطأ الاختيارات والقرارات الخاطئة والسير مرة أخرى نحو إيجاد أنظمة تسلطية تحت غطاء العملية الديمقراطية. داعية لإعادة دراسة نتائج ومنجزات ثورة الياسمين في تونس والعمل على ترسيخ ثقافة الديمقراطية وتكريس سياسة قبول الآخر مع ضمان المشاركة السياسية لكافة القوى التونسية دون هيمنة الحزب الواحد.
جاءت تلك الدراسة خلال مناقشة رسالة ماجستير في العلوم السياسية اليوم الخميس، للباحث شفيق أحمد أبو حشيش بعنوان، "البعد السياسي لعملية التحول الديمقراطي في الوطن العربي - تونس نموذجا-" في برنامج الدراسات العليا لجامعة الأزهر بغزة، والتي بموجبها منحت له درجة الماجستير من قبل لجنة المناقشة والحكم والتي تضم كل من الدكتورة عبير ثابت مشرفاً ورئيساً، والدكتور أسامة أبو نحل مناقشاً داخلياً، والدكتور سامي أحمد مناقشاً خارجياً.
وهدف الباحث في دراسته إلى الوقوف على مفاهيم الديمقراطية ومدى أهميتها في تطور ونمو الأمم مع معرفة شروط ومحددات التحول الديمقراطي عالميا وتلمس واقع العالم العربي من العملية الديمقراطية وماهية الشروط الواجب توفرها لتحقيق واقع عربي يتصف بديمقراطية حقيقية فكرا وممارسة, من خلال تحليل الواقع التونسي كنموذج عربي فيما يتعلق بعملية التحول الديمقراطي لتحقيق نجاحات في ذلك الأمر.
وتناول الباحث مشكلة الدراسة في الإجابة على السؤال الرئيس والمتمثل بـ"ما هو البعد السياسي لعملية التحول الديمقراطي في الوطن العربي عامة وفي تونس خاصة والذي يؤدي لزيادة المشاركة السياسية"، مما جعل الباحث يطرح أسئلة فرعية أخرى تتعلق بعنوان ومحتوى الدراسة، في محاولة لتحليل العلاقة بين متغيرات الدراسة المتمثلة في البعد السياسي لعملية التحول الديمقراطي كمتغير مستقل وواقع العالم العربي عامة وتونس خاصة كمتغير تابع, من خلال قراءة تاريخية تحليلية.
وافترض الباحث أن البعد السياسي شكل ركيزة أساسية لعملية التحول الديمقراطي كمحدد لنجاح أو فشل تلك العملية والتي تؤدي لزيادة ممارسة الحريات والمشاركة السياسية، علماً أن الوطن العربي عامة وتونس خاصة بحاجة إلى عملية تحول ديمقراطي وفقا للشروط والمحددات التي تتناغم مع طبيعة وسمات المنطقة العربية أكثر من حاجته لثورات لا تملك القدرة على تحديد أهدافها.
واستخدم الباحث في دراسته، منهجين بحثيين، وهما، المنهج التاريخي في إطار البحث في الجذور وطبيعة العلاقات التاريخية بين متغيرات الدراسة, وكذلك المنهج الوصفي التحليلي للوقوف على طبيعة العلاقة بين المتغيرات لكون هذه الظاهرة لازالت موجودة تلقي بآثارها على الواقع العربي بشكل عام والتونسي بشكل خاص.
وبين الباحث أن أهمية الدراسة تكمن في مناقشة قضية جديدة وهي ممارسة الديمقراطية ما بعد "الثورات العربية" في محاولة لتلافي أخطاء الدراسات الأخرى والتي عالجت موضوع التحول الديمقراطي كنتاج لثورات "الربيع العربي" دون أخذ البعد السياسي الذي سلطت الدراسة الضوء عليه.
وبين الباحث حدود الدراسة المكانية والمتمثلة في العالم العربي عامة وتونس على وجه الخصوص خلال الفترة الزمنية من عام 2010 وحتى 2012م.
وتوصلت الدراسة إلى أن الديمقراطية كمفهوم وممارسة تلعب دورا في تقدم وتطور الشعوب, وتخضع لعدة محددات وشروط معروفة عالميا لإحداث عملية التحول الديمقراطي، فيما أن البعد السياسي يشكل ركيزة أساسية لعملية التحول الديمقراطي وهو محدد لنجاح أو فشل هذه العملية والتي تؤدي لزيادة مساحة الحريات والمشاركة السياسية, إضافة إلى أن الوطن العربي عامة وتونس خاصة بحاجة إلى عملية تحول ديمقراطي وفقا للشروط والمحددات التي تتناغم مع طبيعة وسمات المنطقة العربية أكثر من حاجته لثورات لا تملك القدرة على تحديد أهدافها, فتونس لا زالت بحاجة إلى إعادة دراسة ونتائج ثورة الياسمين والعمل على تكريس ثقافة الديمقراطية بشكل أكثر عمقاً.
وخلصت الدراسة أن أحداث "الربيع العربي" تركت تأثيرها على الوطن العربي, وتونس كانت أولى هذه الدول التي اتجهت نحو التحول الديمقراطي لكونها أولى دول "الربيع العربي"، ولكن دون مضامين حقيقية للعملية الديمقراطية والذي برز من خلال هيمنة حزب النهضة على مقاليد السلطة.
وأوصى الباحث في دراسته بضرورة إعادة دراسة التاريخ العربي واخذ العبر بما يخدم المرحلة الحالية، مع النظر للعوامل الثقافية والدينية والاجتماعية المتداخلة والتي تميز المجتمعات العربية وإيجاد نماذج تتوافق وتتناغم من تلك العوامل وخاصة في حال الاقتداء بتجارب ونماذج غربية.
كما أوصت الدراسة أصحاب القرار بعدم التسرع في عملية التحول الديمقراطي وتهيئة الظروف والمناخ الملائمين لاتخاذ القرار للسير نحو عملية تحول ديمقراطي حقيقية، مع الحذر في التعاطي مع نتائج ثورات "الربيع العربي", وعدم الاندفاع وراء نشوة إسقاط الأنظمة التسلطية خشية الوقوع في خطأ الاختيارات والقرارات الخاطئة والسير مرة أخرى نحو إيجاد أنظمة تسلطية تحت غطاء العملية الديمقراطية.
وشدد الباحث على ضرورة إعادة دراسة نتائج ومنجزات ثورة الياسمين في تونس والعمل على ترسيخ ثقافة الديمقراطية بشكل أكثر عمقاً من خلال تكريس سياسية قبول الآخر, وعدم سيطرة حزب النهضة على العملية السياسية وضمان مشاركة حقيقية لجميع القوى السياسية التونسية بكافة توجهاتها ومشاربها الفكرية.
وأثنت لجنة المناقشة والحكم على الرسالة وجهود الباحث، فيما حضر المناقشة لفيف من الطلبة والمهتمين وزملاء الباحث.