سكان يفرون من جنوب القطاع الى شماله هربا من المياه المالحة

وسط السماء الصافية والارض المنبسطة بلا خوف ولا ترهل من طائرات او دبابات يصل ابو محمد شمال قطاع غزة قادما من جنوبه يستل زجاجة مياه وصوتها يخفق في جوفه.

مكث ابو محمد الصاوي21 عاما جنوب القطاع وتحديدا بمدينة خان يونس الى ان بلغ السيل الزبى، ولم يستطع تحمل ملوحة المياه.

ولد وترعرع في حي الامل بخان يونس وتزوج وانجب هناك  بيد ان اخر المطاف فضل ان يغادرها بعد ان طفق اطفاله من ملوحة المياه التي ارقت حال الاسرة ما دفعهم للهروب لا من القصف الاسرائيلي ولا من شدة حصار او كثرة توغلات او سماع الانفجارات بل من سوء المياه في المحافظات الجنوبية من قطاع غزة، ولعل حال ابو محمد لا يختلف عن كثيرا من الناس ولكن ساقنا القدر الى (ابومحمد) الذي اصبح يسكن في مخيم جباليا شمال القطاع ويشرب من ماء الصنبور العادي مع انه يوجد مرشح للمياه في منزله ليؤكد ان المياه هنا حلوة وجميلة ولا تحمل ملوحة ابدا.

مشكلة كبيرة..

يقول ابو محمد (45 عاما) لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء "،"كنا نغير شبكة المياه كل عام او عامين لأنها تصدأ لقوة الملوحة وهذا امر مكلف وغير مريح صراحة هناك ناس فقراء لا تستطيع تغيرها الا كل 5 او 6 سنوات وهذا يجعل المياه مضرة وليس مفيدة للصحة، لم يعتد اطفالي على هذا الامر مما اضطرنا الى بيع منزلي ثم الهجرة ليس الى السويد ولا هولاندا او بلجيكا مع انها احدى امانينا، ولكن الى معسكر جباليا حيث المياه ليست مالحة ابدا وتشعر بنشوة الفرح عندما تغتسل بالمياه الحلوة من دون ان تخسر مالا او تعبئ مياه نقية خاصة بالشرب ".

اطفال ابو محمد تتراوح اعمارهم بين الـ6 و14 ربيعا ذكور واناث لم يطيقوا شربة مياه لا ظمئ فيها ولا شبع وحتى في راحة الاستحمام التي تكون مغمسة بملوحة المياه القاسية.

محمد( 10 اعوام) يقول "كنت اجلب معي زجاجة مياه مقطرة من المحال التجارية حتى اشرب منها في المدرسة ولم اكون اشتري المأكولات في الاستراحة المدرسية ".

اما ديما( 14 عاما) تقول " احنا الان نشرب من المياه العادية من الصنبور ولا نحتاج ان نشتري المياه المفلترة زي ما كنا في خان يونس انا مبسوطة كثير".

ديانا التي بدت عليها الابتسامة العريضة قالت "انا حكيت لصحباتي انهم يجيوا يسكنوا في الشمال، صح في صوت قصف كثير بس صراحة الماء والسكن في الشمال احسن انا حاسة انو كل غزة ساكنة في الشمال من كثر الناس وبرضوا المياه حلوة في الشرب والاستحمام والوضوء".

فرار معاكس..

راوية (23 عاما) وهي سيدة تسكن بلدة جباليا تزوجت من شاب في مخيم الشاطئ غرب غزة تقول"انها لم تستطيع ان تحتمل ملوحة المياه والتي لم تفكر يوما انها بهذا السوء وكأنها قادمة من البحر ناهيك عن الكلس ذا الطبقات الملفتة المتواجد داخل وعلى جسم شبكة المياه الخاصة بالمناطق التي تعاني ملوحة".

مدير دائرة الصحة البيئية في وزارة الصحة بحكومة غزة فؤاد الجماصي اوضح بان "نسبة المياه غير الصالحة للشرب في غزة تصل من 90 إلى 95 %، اما نسبة المياه المالحة فحدث ولا حرج من غرب مدينة غزة الى اقصى مدينة رفح تتفاوت ملوحة المياه بسبب انخفاض الارض من مستوى سطح البحر ، اما مناطق شمال غزة وخاصة بيت لاهيا تعتبر مرتفعة عن مستوى سطح البحر لذلك تجد نسبة ملوحة المياه غير موجودة كثيرا".

وأوضح الجماصي خلال ورشة عمل أقامها مركز الميزان لحقوق الإنسان أن هذا التلوث يأتي من أسباب خارجية كسرقة المياه الجوفية من قبل الاحتلال الاسرائيلي وبناء السدود لمنع المياه من الوصول إلى القطاع، وتدمير البنية التحتية لمياه الشرب، أما الأسباب الداخلية فمنها اختلاط مياه الصرف الصحي مع المياه الجوفية وظهور ظاهرة الآبار العشوائية."

وتحدث سامح أبو زعنونة رئيس دائرة الرقابة في سلطة المياه عن استنزاف الخزان الجوفي ما أدى الى تراجع نوعية المياه الصالحة للشرب، وظهور الحاجة إلى محطات تحلية المياه.

ونوه أبو زعنونة إلى ان عدد محطات التحلية في قطاع غزة، حيث يوجد 79 محطة تحلية 43 منهم غير مرخصين، داعيا أصحاب المحطات غير المرخصة إلى المضي في اجرائات الترخيص.

وأوضح السلبيات التي تلحق بعملية تحلية المياه وهي الأسعار المرتفعة وتلوث المياه في عملية النقل والطاقة الإنتاجية مرتفعة.ودعا أبو زعنونة إلى استغلال مياه الأمطار والاستفادة منها وتشجيع الاستثمار في تحلية مياه البحر بديلا عن المياه الجوفية.

تقرير/يوسف حماد

المصدر: غزة - وكالة قدس نت للأنباء -