تستعد شخصيات فاعلة فلسطينية وأردنية لإنشاء صندوق القدس نهاية الشهر الحالي، لا شك أن المبادرة تستحق التقدير والتثمين، وإذا ما خرجت الفكرة إلى حيز التطبيق العملي، فمن المؤكد أنها ستعمل على دعم صمود أهلنا في القدس، على مدار عقود عدة عملت حكومة الاحتلال بنهم على تهويد المدينة المقدسة من خلال برامج رصدت لها اموالاً طائلة بهدف تغيير معالمها وهويتها الثقافية العربية، فيما أنفق العرب الكثير من الوعود الرنانة والخطب العصماء والشعارات البراقة لدعم صمود أهلنا في القدس، من الواضح أن مبادرة الشخصيات الفلسطينية والإردنية جاءت بعد الفشل الجلي للدول العربية في ترجمة قرارات القمم العربية المتعلقة بإنشاء صندوق القدس.
كانت القمة العربية التي عقدت في مدينة سرت الليبية عام 2010 قد أقرت تشكيل صندوق القدس بقيمة نصف مليار دولارعلى أن تتولى جامعة الدول العربية مهمة الاشراف عليه، بقي القرار حبراً على ورق ليضاف إلى جملة القرارات العربية المتعلقة بالقدس التي لم تر النور واتخذت مكاناً لها على أرفف ارشيف الجامعة العربية، ثم جاءت القمة العربية في الدوحة في آذار من العام الماضي لتعيد الحكاية من جديد، عبر قرارها بتشكيل صندوق القدس ولكن هذه المرة برأس مال مضاعف "مليار دولار" على أن يقوم البنك الاسلامي للتنمية بإدارة الصندوق، تعهدت يومها قطر بالمشاركة بربع المبلغ، وهو ذات المبلغ الذي دفعته قطر في شراء لوحة فنية، استبشر اهلنا في القدس خيراً في القرار الجديد القديم، لم يكد يجف حبر قرار القمة العربية حتى تراجع أمير قطر عن وعده في اتصال له مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، ولحقت به باقي الدول العربية فلم يصل الصندوق شيئاً وظل فارغاً باستثناء التصريحات الداعية للمحافظة على هوية القدس العربية التي غص بها.
مؤكد أننا لو أجرينا عملية حصر وتجميع للقرارات المتعلقة بالقدس، الصادرة عن الدول العربية والاسلامية التي تؤكد على هويتها العربية وتدعو لصمود أهلها، لإمتلكنا أكبر مكتبة وثائق في العالم، والمؤكد أيضاً أن الخطب "الطويلة منها والقصيرة" التي تتغنى بالقدس وعروبتها ومكانتها المقدسة لدى المسلمين لا تسمن ولا تغني من جوع، في ظل عملية تهويدها الممنهجة التي تشرف عليها حكومة الاحتلال، وفي الوقت ذاته لا يمكن لنا أن نفهم التراجع العربي في انشاء صندوق القدس إلا انصياعاً لأوامر أمريكية، والصورة لم تعد بحاجة لكثير من التوضيح، حيث يمكن للعرب والمسلمين من خلفهم اطلاق الشعارات الداعمة للقدس دون شرط أو قيد، لكن من المحظور عليهم ترجمة ذلك ولو بحفنة قليلة من الدولارات، حتى تستكمل حكومة الاحتلال طمس هوية المدينة المقدسة.
لعل مبادرة الشخصيات الاردنية والفلسطينية في الاعلان عن إنشاء صندوق القدس نهاية الشهر الحالي يبعث من جديد بارقة أمل يمكن لها أن تخرجنا من دائرة الكلام إلى مساحة العمل الجاد لإنقاذ القدس، واعتقد أن هذه المبادرة بحاجة أيضاً لتنشيط وتفعيل دعوة القيادة الفلسطينية للعرب والمسلمين بزيارة القدس، ومن الضروري لمن وضع الدعوة في خانة التطبيع أن يعيد تقييم الموقف، فالصمود له متطلباته التي لا توفرها الشعارات البراقة بقدر ما تعززه الأفعال على أرض الواقع.