المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية يأمر بإعادة انتخابات بلدية الناصرة التي جرت في 22/10/2013،والحجة والذريعة في ذلك بأن (11) شخصاً من المسجلين كمنتخبين كانوا في السجن او الخارج البلاد،ولم يشاركوا في التصويت،وحيث ان الفارق بين المرشحين(جرايسه وسلام) تسعة أصوات فقط،فهذا بدوره يؤثر على النتيجة،وربما يحدث تغييراً في النتائج بشكل جوهري،وبغض النظر عن صوابية او عدم صوابية الحجج والذرائع المطروحة،فواضح بأن هناك شحن طائفي وحزبي وفئوي وعشائري،بين الكتل المترشحة،وكذلك حالة من الإتهامات والتشنجات وردود الفعل الإنفعالية والعاطفية،وهناك من يغذي الفتن والإشاعات بين الطرفين والكتلتين،والهدف من التغذية والشحن وبث الإشاعات،ليس مصلحة الناصرة او حتى مصلحة الكتل نفسها،بل جر الناصرة الى خانة ومستنقع الطائفية والعشائرية،فالناصرة المعروف عنها كواحدة من قلاع الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني،ومن اكبر مدننا الفلسطينية هناك،مطلوب تفكيكها وطنياً وطائفياً،لتمرير مشاريع التفتيت والتذويب للهوية الوطنية والقومية،وهناك من يساهم بقصد أو بدون قصد لخدمة هذا المشروع،وخصوصاً بأن ما يهب على المنطقة العربية من شحن مذهبي وطائفي،تغذيه قوى مأجورة ومشبوهة ومتمسحة بالدين،يترك آثاره وبصماته على ساحتنا الفلسطينية.
نحن واثقون بأن ناصرة الراحل الكبير الشاعر توفيق زياد،المسكون بحب الناصرة والوطن والأرض وصاحب قصيدة"هنا باقون" الذائعة الإنتشار،والتي تعتبر الملمح القوي المعبر شعرا على الثبات والصمود والتحدي.. فالشاعر يكاد يلغي كل مسافة بينه وبين الأرض ليكون فيها داخلا متداخلا متحديا الاحتلال حتى آخر قطرة دم .. والتحدي هنا يأخذ شكل ومعنى الثقة المطلقة بالحق .. ليصبح الفلسطينيّ مستحيلا يصعب محوه أو إزالته من فوق أرضه " كأننا عشرون مستحيل / في اللد،والرملة، والجليل / هنا .. على صدوركم ، باقون كالجدار / وفي حلوقكم / كقطعة الزجاج، كالصبار / وفي عيونكم / زوبعة من نار / هنا .. على صدوركم ، باقون كالجدار / نجوع .. نعرى .. نتحدى / ننشد الأشعار"، هذه هي الناصرة التي نعرفها والتي كانت في أيام العز والمد الوطني والثوري،تحتضن مخيمات العمل التطوعي،والتي يأتي إليها أبناء شعبنا من كل فلسطين التاريخية،متوحدين في الهدف والمصير والتطلعات،متنافسين في العمل والعطاء من اجل بناء وتعمير الوطن.
هذه هي الناصرة التي صورتها في أذهان كل جماهير شعبنا الفلسطيني،الناصرة،كانت وستبقى قلعة حصينة عصية على الكسر والإختراق،الناصرة بمسيحييها ومسلميها،تدرك بأن هناك مؤامرة ودعاة فتنة يريدون ضرب وحدة شعبنا الفلسطيني في الداخل،يريدون تدمير وتمزيق نسيجه الإجتماعي،هناك من ينفذون مشاريع مشبوهة تسهل إختراق وحدتنا الوطنية والمجتمعية،هناك من يريدون تدمير الناصرة من خلال اللعب على وتر الطائفية،لكي يتمكن الإحتلال من تذويب وتفتيت هويتنا الوطنية والقومية،على اعتبار ان الناصرة واحدة من القلاع الحصينة،والتي بإختراقها او سقوطها،سيسمح للإحتلال بالتعامل مع اهلنا وشعبنا هناك على أساس مذهبي وطائفي،وبما يسهل دمجهم في مؤسسات دولة الإحتلال،مستفيدين من إنعدام الوعي عند البعض،وتجند عدد آخر لخدمة مشاريعه من أمثال الأب الماجور نداف وبعض الأبواق المأجورة،والتي تريد تجنيد أبناء شعبنا العربي المسيحي في جيش وشرطه الإحتلال،نازعين عنهم عروبتهم ووطنيتهم وقوميتهم.
ولذلك بات مطلوباً من كل قيادات شعبنا الوطنية،المخلصة والشريفة في الداخل الفلسطيني،أن تفوت الفرصة،وتتنبه الى المخاطر التي تحاك ضدهم كمجموع عام وضد الناصرة بشكل خاص،فالناصرة وحدتها الوطنية والمجتمعية ومصلحة شعبنا الفلسطيني،يجب ان تعلو على كل المصالح الحزبية والفئوية والعشائرية والطائفية.
الآن تحاك المشاريع والمخططات ضد شعبنا في الجذر- 48 -،مخططات هدفها تهويد الأرض الفلسطينية،وطرد وترحيل شعبنا،عبر سياسات التطهير العرقي التي يمارسها الإحتلال بحق شعبنا هناك،فمراكز البحث والدراسات الإستراتيجية الصهيونية،منذ عشرات السنين،تعكف على وضع الخطط المستهدفة التخلص من اكبر عدد من أبناء شعبنا هناك،لمنع تحول دولة الإحتلال إلى دولة ثنائية القومية،ولكي يبقى ويستمر الإحتلال،بالتعامل مع شعبنا هناك،ليس كأقلية قومية لها حقوقها الثقافية والوطنية الخاصة،بل مجموعات سكانية،مطلوب تذويب هويتها ودمجها في مؤسسات الإحتلال واجهزته المختلفة.
وحتى اللحظة الراهنة لم ينجح الإحتلال في مساعيه ومخططاته الخبيثة،حيث فشل مشروع تهويد الجليل،مشروع العنصري"أريه كنج" على مذبح الصمود والمقاومة الفلسطينية،وكذلك هو حال مخطط العنصري"برافر" لتهويد النقب،لم يتقدم خطوة للأمام بفضل وحدة شعبنا ومقاومته،ولكن رغم كل ذلك الإحتلال،لم يتراجع عن خططه ومخططاته،بل يواصل تلك المخططات،حيث يجري الحديث عن قضية التبادل السكاني،وسلخ منطقة مثلث الجليل ذات الكثافة السكانية الفلسطينية العالية عن دولة الإحتلال، في إطار ما يسمى خطة كيري ل"السلام"،خطة تستهدف المحافظة على دولة الإحتلال كدولة يهودية،فهو ينظر لشعبنا الفلسطيني هناك،بمثابة السرطان الذي يجب التخلص منه بالطرق المشروعة وغير المشروعة.
الإحتلال يخوض هذه الحرب على كل الجبهات،فهو يحاول جاهداً تحقيق هذا الهدف عن طريق الأسرلة وبث الفرقة والفتن بين أبناء شعبنا،وتدمير نسيجهم المجتمعي،وعمليات تجنيد البدو والدروز والعرب المسيحيين وفق تقسيماته وتسمياته النافية لوجود قومية عربية هناك،بل مجموعات سكانية تندرج في هذا الإطار والسياق،والإحتلال يسعى لإختراق القلعة من الداخل،وهناك ادوات تنفذ مخططاته وأهدافه،بعضها من باع نفسه للإحتلال بوعي او دون وعي،وهذه أقلية جداً،ولا تعبر عن موقف او رأي وازن بين وفي اوساط أهلنا وشعبنا في الداخل الفلسطيني،وهناك من تحركه دوافع مذهبية وطائفية،وهنا يكمن الخطر الجدي على وحدة شعبنا ونسيجه المجتمعي،وهذا يتطلب من كل أبناء شعبنا الفلسطيني إعلاء شأن الناصرة ووحدة أهلها فوق أي خلافات او مكاسب فئوية وحزبية وطائفية وعشائرية،وعلى الحركة الوطنية وقواها في الداخل وفي الأراضي المحتلة عام/1967،بذل جهود جدية وحقيقة توفق وتوحد وتقرب وجهات النظر بين كل الأطراف والأطياف المختلفة،وان تأتلف معاً من اجل الناصرة والوطن.