أثارت عودة نائبين من حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" إلى قطاع غزة، إضافة إلى تحركات غير معلنة مؤشرات على تقارب بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، والنائب محمد دحلان.
وعرف دحلان الرجل القوي سابقا في السلطة الفلسطينية على مدار سنوات، "بالعدو الأبرز" لحركة حماس قبيل سيطرتها على قطاع غزة بالقوة منذ منتصف العام 2007، كما أن خلافات نشبت بعد ذلك بينه وبين بعض أقطاب حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" وصلت إلى حد فصله من عضوية لجنتها المركزية.
وحملت حماس دحلان المسؤولية الأولى عن جولات الاقتتال التي اندلعت بين عناصرها وقوات أمن السلطة الفلسطينية، واتهمته بالوقوف وراء قتل وتعذيب عناصر لها في تلك الفترة.
وظل دحلان ومئات من أنصاره يقيمون خارج قطاع غزة طوال سنوات سيطرة حماس على غزة، وحظرت عليه ممارسة أي نشاط في القطاع، إلا أن مؤشرات أظهرت تغيرا في منحنى هذه العلاقة.
إذ سمحت حكومة غزة التي تقودها حماس أمس الثلاثاء، بعودة النائبين عن حركة فتح ماجد أبو شمالة، وعلاء ياغي وكلاهما يعرفان بقربهما الشديد من دحلان إلى غزة قادمان من الضفة الغربية.
وجاءت هذه الخطوة ضمن مبادرة رئيس حكومة غزة ونائب رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية التي تضمنت الإفراج عن معتقلين من فتح مطلع هذا الشهر، والسماح بعودة نواب فتح وعناصرها إلى قطاع غزة.
وقوبلت هذه المبادرة، بترحيب من قيادة حركة فتح في غزة التي شددت على أهمية تعزيز خطوات المصالحة المجتمعية.
وقال النائب عن فتح في غزة أشرف جمعة لوكالة أنباء (شينخوا) الصينية، إن ما تحقق خطوات هامة "يجب البناء عليها" وصولا إلى تنفيذ المصالحة الشاملة بالتوجه لانتخابات فلسطينية عامة.
وشدد جمعة، على أن خطوات المصالحة غير مرتبطة بالخلافات الداخلية في حركة فتح ويتوجب أن تنطلق من القناة الرسمية الوحيدة لذلك ممثلة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس. وتعرف العلاقات بين دحلان وعباس الذي يتزعم فتح بالخلاف الشديد.
وأقرت اللجنة المركزية لفتح فصل دحلان من عضويتها في مايو 2011 وتحويله إلى النائب العام بتهم "الفساد المالي وقضايا قتل".
وظل دحلان منذ ذلك الوقت يتنقل في إقامته بين الإمارات ومصر، مع تمتعه بقاعدة قوية في صفوف أنصار فتح في غزة.
وقال جمعة، إن دحلان يقدم خدمات ومساعدات لسكان غزة "لأنهم في وضع كارثي ويحتاجون لمساعدة كل الأطراف دون الحاجة لأن يندرج ذلك في إطار المؤامرات أو الخلافات داخل فتح ".
وبحسب مصادر مطلعة في غزة، فإن تفاهمات غير معلنة جرى التوصل إليها بين دحلان وأطراف مسؤولة في حماس قادت إلى عودة النائبين أبو شمالة وياغي إلى غزة.
وذكرت المصادر ل(شينخوا)، أن التفاهمات التي بدأ العمل بها تدريجيا منذ نحو عامين، تضمنت إطلاق لجنة لـ(التكافل الاجتماعي) لتكون قناة لتقديم مساعدات بدعم عربي وخصوصا إماراتي لسكان غزة.
وسبق أن أشرفت هذه اللجنة على تنظيم حفل زفاف جماعي لشبان غزة، ورعاية طلبة جامعات، وتقديم مساعدات عينية للفقراء في القطاع. وقالت المصادر ذاتها، إن هذه المشاريع تتم بتنسيق وعلم سلطات حماس التي يمثلها اثنين من نوابها في عضوية اللجنة.
كما سمحت حكومة غزة بصورة غير معلنة باستئناف أنشطة مؤسسة خيرية تشرف عليها زوجة دحلان لدعم مشاريع إنسانية في قطاع غزة خصوصا مخيمات اللاجئين فيه. وتجرى اتصالات حاليا لتوسيع أنشطة لجنة التكافل الاجتماعي لضمان ضخ المزيد من المساعدات إلى سكان قطاع غزة الذي يقاسي سكانه مصاعب الحصار الإسرائيلي.
وقال ياغي وهو عضو في لجنة التكافل ل(شينخوا)، إن زيادة مشاريع الدعم إلى غزة هي "من صلب" زيارته وأبو شمالة إلى قطاع غزة، مشيرا إلى أن تطور الأمر "يعتمد أساسا على التوافق مع الأطراف المعنية بذلك".
وأكد ياغي، وجود اتصالات مسبقة بينهم وبين حماس قادت إلى عودتهما إلى غزة وتوجيه مساعدات لسكان القطاع، مشيرا إلى أن تعزيز هذا التفاهم من شأنه تطوير الأمر أكثر في المرحلة المقبلة.
ويلاحظ امتناع كل من حماس ودحلان عن تبادل الانتقادات المعلنة بعكس سنوات الخلاف السابقة بينهما.
ويبدو أن الحملة المصرية لإغلاق أنفاق التهريب والتضييق على حكم حماس منذ مطلع يوليو الماضي، شجع الحركة الإسلامية على مزيد من الانفتاح في العلاقات مع دحلان بغرض تخفيف الاحتقان الشعبي ووصول مساعدات للسكان.
وقال ياغي بهذا الصدد "دحلان رقم مهم في هذه المرحلة على الصعيد العربي والدولي وغزة بحاجة له، ونحن نعمل على كسر حالة الجمود لتطوير ذلك".
وأضاف ياغي، "نريد أن نشكل نموذجا لغيرنا وكل ذلك يعتمد على ردة فعل حماس في غزة، فإذا ما تم استيعابنا وتعاونت معنا فيمكننا أن نتفق للعمل المشترك بما فيه صالح الناس".
ولم تجاهر حماس علنا حتى الآن بتحسن علاقاتها مع دحلان، لكن أطرافا في الحركة أبدت ترحيبا حتى بإمكانية عودة الرجل إلى قطاع غزة.
وقال القيادي في حماس أحمد يوسف ل(شينخوا)، إن خطوات عملية يتم تنفيذها حاليا لتعزيز المصالحة المجتمعية كمقدمة لا بد منها من تحقيق المصالحة الفلسطينية الشاملة.
وذكر يوسف، أن ما يجري على الأرض من شأنه تخفيف الاحتقان الداخلي بين كافة أطراف الخلاف الداخلي من خلال توسيع دائرة المصالحة وشمولها لجميع أبناء الشعب الواحد دون استثناء.
وأبدى القيادي في حماس، ترحيبا بتطور مساعي المصالحة المجتمعية بما يسمح لاحقا بعودة دحلان إلى قطاع غزة.
وقال يوسف بهذا الصدد "لا يوجد ما يمنع من عودة دحلان لأن غزة جزء من وطنه ووصوله إليها هو حق له وخطوة منتظرة مهما كان الخلاف معه عند تطور مساعي المصالحة المجتمعية ".
ويرى مراقبون أن كلا من حماس ودحلان بحاجة إلى تعاون ثنائي بينهما، إذ أن الحركة الإسلامية تواجه وضعا صعبا في إدارة قطاع غزة وانحسار في مواردها المالية وحتى علاقاتها الخارجية.
في المقابل فإن دحلان، بحسب المراقبين، يعمل على تكريس نفوذه في قطاع غزة في مواجهة الخلاف مع عباس وإبقاء استناده على قاعدة شعبية قد تسمح له مستقبلا بالعودة للشراكة في إدارة غزة ضمن أي ترتيبات مستقبلية.
وكان دحلان (51 عاما) شغل مناصب وزارية وأمنية عديدة بينها مستشار الأمن القومي للرئيس عباس قبل سيطرة حماس على قطاع غزة، وقدم استقالته مباشرة بعد ذلك.