لم يكن المكون التاريخي والثقافي والديني للشعب الفلسطيني عامل فرقة واقتسام، بل على العكس من ذلك كان عاملا جامعا وموحدا لأبناء الشعب الواحد، ومع ذلك نجد للفرقة والخلاف جذور تمتد بين أبناء الشعب منذ أن حط الاستعمار البريطاني على أرض فلسطين. وعلى الرغم من رفض كل شرائح الشعب الفلسطيني لوجود الاستعمار إلا أن الخلاف الدائر بين أبناء الشعب الفلسطيني منذ الاحتلال البريطاني كان يتمثل في طريقة التخلص من الاحتلال وليس في جلاء الاحتلال من عدمه .
وعندما تم ترسيخ المشروع الاستعماري بتقسيم الوطن العربي إلى دويلات متعددة الأهداف ومتقاطعة المصالح،حيث قسم الوطن العربي إلى أجزاء ووضع على كل جزء حاكم عربي بأمر الاستعمار، وصار لكل حاكم هدف أسمى وهو إرضاء الاستعمار بشتى الطرق والوسائل كي يبقى في منصبه، دب الخلاف والفرقة بين هؤلاء الحكام وورثها عنهم أحفادهم الى يومنا هذا .
كانت فلسطين هي الأرض الوحيدة التي لم يُعين عليها حاكم بأمر الاستعمار إذ كانت هي الارض التي دفع شعبها ثمناً غالياً جراء بقاء حكام الاستعمار في مناصبهم، حيث بيعت لليهود ليقيموا عليها كيانا لهم، دون مواجهة تذكر من بقية الكيانات الاخرى المحيطة انذاك.
صارت فلسطين هي الملهم للشعوب الثائرة التي ترفض بقاء الاحتلال وأربابه على أرض الوطن العربي الكبير ،لكن التحكم في مقدرات الشعوب من قبل حكام الاستعمار جعل الشعوب رهينة هؤلاء الحكام يسيروهم كما شاؤوا ومتى شاؤوا ، وكانت فلسطين حاضرة في كل خلاف أو نزاع شخصي بين حاكم وحاكم وعائلة حكم وأخرى ، وبالتالي قسمت الشعوب العربية حسب أهواء حكامها بعدما قسمت الأرض حسب أهواء الاستعمار. وكان الشعب الفلسطيني جزء من الشعوب العربية المضللة من قبل حكامها .
وقد نتج عن هذا الانقسام العربي بشأن فلسطين ومستقبلها، انقساما خطيرا بين ابناء الشعب الفلسطيني، إذ أن الخلاف على أرض المعركة يجعلها خاسرة دائما للطرف المختلف، وصار لكل حاكم عربي زبانية وارباب يعملون لصالح أهوائه والجهة التي يعمل لصالحها.
جاء انقسام 2007 ليضيف انقساما على الانقسامات القائمة ، لكنه هذه المرة مختلف عن الانقسامات السابقة اذ ان الظروف التاريخية مختلفة عن سابقتها، فالقيادة العربية في أضعف حالة لها منذ تأسيسها، وليس بمقدورها اتخاذ أي قرار فاعل يمكنه وقف جرائم الاحتلال الصهيوني ، كما أن المساندة الشعبية العربية لفلسطين قد خفتت وضعفت الى الحد الذي جعل الاحتلال الصهيوني يصول ويجول في فلسطين دون رادع أو مانع .
خلاصة القول لم يكن الانقسام الفلسطيني هو الأول من نوعه ولا الأخطر في عمقه بل كانت الانقسامات العربية سابقة بكثير، ولم يكن الانقسام الفلسطيني إلا ثمرة لتلك الانقسامات منذ تأسيسها،حيث جاءت الانقسامات على حساب الامة العربية ولكي تتماشي مع المخطط الاستعماري العالمي، ولكن الظروف التي أحاطت بتلك الانقسام اختلفت عن سابقاتها، وبالتالي لن يكون هناك انهاء للانقسام الفلسطيني قبل إنهاء الانقسام العربي، حتى وإن كان سيكون لفترة محدودة وسَيُبْنى على قواعد خاوية سرعان ما تنهار عند أي عقبة تواجهها.
حازم محمد زعرب