بيئة غير صحية

بقلم: أسامه الفرا

كان علي أن ألجأ إلى مقهى في مدينة 6 اكتوبر أنتظر أن يفرغ ابني من امتحان اللغة، اصطحبت معي كتاب د. كمال الجنزوري "طريقي" الذي ينقل فيه تجربته الشخصية من القرية إلى رئاسة وزراء مصر، وهو الشخصية التي حظيت باحترام الطيف السياسي المختلف في مصر، المقهى يعج بالكثير من الطلبة وأمامهم كتبهم الجامعية، من الواضح أن لهجة غالبيتهم تنبئ بأنهم جاؤوا من بلدان عربية مختلفة، واللهجة السورية هي الحاضر الأكبر، منهم الطلبة ومنهم من جاوز ذلك بكثير، لعل الصورة تختصر الكثير من الكلام في مكانة مصر الحاضنة للشعوب العربية، البعض منهم جاء إليها طلباً للعلم والبعض جاءها لتنمية أعماله فيما البعض الآخر وجدها ملاذا له من قسوة الأحداث التي تعصف ببلاده.

وما إن اقترب موعد صلاة الجمعة حتى أخذت طريقي إلى مسجد "الحصري" القريب من المكان، الذي يتسم ببراعة التصميم وأهمية المكان الذي يتوسط المدينة ناهيك عن اسمه الذي جاء تكريماً للقارئ الشهير محمود خليل الحصري، وهو الذي رتل القرآن الكريم في أنحاء العالم المختلفة بما فيها مقر الامم المتحدة والقاعة الملكية في لندن، وما إن انتهت الصلاة حتى تجمع البعض من مؤيدي جماعة الاخوان المسلمين أمام المسجد مرددين هتافات مناهضة للدستور، أسرعت الخطى لأبتعد عن المكان، فمجرد تواجد فلسطيني في مثل هذه الأماكن حتى وإن جاء من باب المصادفة يجلب له الاتهام، والتهمة عادة ما تكون من العيار الثقيل التي تثقل الكاهل وتوقف مبررات التفسير رهينة الحنجرة دون أن يسمح لها بمغادرتها.

مساء نقلت بوابة الأهرام خبراً مفاده إلقاء القبض على مجموعة من مثيري الشغب في منطقة "ألف مسكن" بالقاهرة، واشار الخبر الى أن من بين هؤلاء ثلاثة فلسطينيين ممن شاركوا في الاعتداء على قوات الأمن، كم هي الأخبار المتعددة التي تتناقلها وسائل الاعلام والتي تشير إلى مثل ذلك، هل حقاً يمكن لفلسطيني أن يشارك في مثل هذه التظاهرات؟ وهل يمكن لفلسطيني أن تسول له نفسه بالاعتداء على قوات الأمن المصرية؟ وما المصلحة لفلسطيني يقيم في القاهرة أو جاء إليها زائراً أن يفعل ذلك؟، ولماذا تحول الفلسطيني إلى محل شبهة واتهام؟، أسئلة كثيرة ليس المطلوب منا أن نبحث عن إجابة لها، بقدر ما هو مطلوب منا أن نعيد بيئة العلاقات الأخوية المميزة بين الشعبين إلى سابق عهدها.

ما تتداوله وسائل الاعلام المصرية يومياً من اتهامات للفلسطينيين بحاجة لأن نولي الأمر الاهتمام اللازم، فهي كرة ثلج متدحرجة تكبر أمام أعيننا، وتأخرنا في معالجتها سيؤدي حتماً إلى اتساع الفجوة بين الشعبين، ويخلق بيئة غير صحية تعرض جسد العلاقة لأمراض قد يصعب علاجها لاحقاً، والحقيقة التي يجب أن ندركها اليوم قبل الغد أن الكل الفلسطيني متضرر من ذلك، والضرر لا يمكن له أن يلحق بفئة منا دون الأخرى، والجميع منا يدرك قيمة مصر لفلسطين، فهي ليست دولة عربية يمكن لنا أن نستغني عنها أو حتى أن نقلل من وزنها الكبير الحاضن لقضيتنا، وبالتالي مطلوب من فتح وحماس وكافة القوى الفلسطينية أن تعمل معاً وسوياً من أجل تنقية هذه الأجواء ونزع فتيل التوتير من بين يدي وسائل الاعلام.