فكرة إنجاب أطفال عبر " الخلوة الزوجية " أو " التلقيح الصناعي " ، هي فكرة تراود العديد من الأسرى لا سيما ممن يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد ، وقد نُوقشت تلك الفكرة فيما بينهم بشكل صامت وفي إطار ضيق منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي لتعكس المعاناة الصامتة للأسرى وزوجاتهم ، ولاقت قبولاً لدى بعض الزوجات .
وبعد بضع سنوات تجرأ عدد من الأسرى بترجمة الفكرة ، وتمكنوا من تهريب " نطف منوية ، وبالرغم من محدوديتها وعدم نجاحها ، إلا أنها عكست ما يدور في وجدان الأسرى وزوجاتهم من رغبة جامحة في تحدي السجان وتحقيق حلم الإنجاب ..
وفي الوقت الذي لا يمانع فيه الأسرى فكرة " الإخصاب الصناعي " ، فإنهم يرفضون فكرة " الخلوة الزوجية " ، أو على الأقل غير متحمسين لها في الوقت الحاضر ، وان كان هذا من حقهم.
ووليد دقة الأسير الفلسطيني المعتقل منذ الخامس والعشرين من مارس / آذار 1986 ، والذي يحمل الجنسية الإسرائيلية كونه يسكن المناطق المحتلة عام 1948 كان الأكثر جرأة من بين الأسرى ، و تقدم بطلب لإدارة السجون وللمحكمة العليا أكثر من مرة ، وقوبل طلبه في كل مرة بالرفض.
إذ أن القانون الإسرائيلي يجيز " الخلوة " ، ويمنح السجناء اليهود عطل وإجازات مع الأهل خارج السجن ، فيما يُحرم الفلسطينيين من هذا الحق ، بمن فيهم أولئك الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل و يحملون الجنسية الإسرائيلية والذين تعتبرهم إسرائيل مواطنين لديها ، كجزء من التمييز العنصري في تعاملها معهم.
حق وجب دعمه وترسيخه كجزء من المعركة مع إدارة السجون ، ولربما نجاحه يفتح الباب أمام الأسرى المتزوجين والغير متزوجين ، لاسيما ممن يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد " مدى الحياة " ، في ظل تضاؤل أمل الإفراج عنهم في المدى القريب عبر المفاوضات ضمن الإفراجات السياسية ، وبعد إغلاق صفقة " شاليط " واستبعاد مئات الأسرى من ذوي أحكام المؤبدات.
فـ " الإنجاب " عبر " التلقيح الصناعي " ، حق أجازه الشرع الإسلامي وفق ما بات يُعرف " بزراعة الأنابيب " للأزواج ، ولكن وفقاً لشروط وإجراءات تتطابق مع الشريعة الإسلامية ، وأن العيادات المتخصصة بذلك منتشرة في فلسطين والوطن العربي.
والأسرى هم جزء من النسيج الاجتماعي ، و من حقهم " الإنجاب " عبر التلقيح الصناعي " إذا توفرت الإجراءات والشروط المتطابقة مع الشريعة الإسلامية.
وفي السنوات الأخيرة انتشرت الفكرة لتحظى بتأييد واسع داخل وخارج السجون ، مع التأكيد على ضرورة إيجاد حاضنة اجتماعية ووطنية وسياسية ودينية لدعم هذا الحق والتأكيد عليه وحماية الأسرى وزوجاتهم من التلسن أو الإساءة ، وسن قوانين وآليات لتنظيم العملية وحمايتها.
" عمار الزبن " واحد من الأسرى الفلسطينيين الذين آمنوا بالفكرة وأصر على ترجمتها ، رغم السجن وحكم المؤبد 26 مرة ، ولم يلتفت إلى الآراء المعارضة أيا كان مصدرها وأصحابها ، وأصر على تحرير النطفة المقيدة والمسجونة ، ليزرع طفلا رغم أنف السجان وإجراءاته المشددة ، وأن ينتزع حقا مشروعا أجازه الشرع الإسلامي.
وتحدى الظروف القهرية وسجل سابقة هي الأولى في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة ، حينما نجح في تهريب " النطف المنوية " ، وزراعة طفل في ظلمة السجون ، وبعد تسعة شهور من الحمل تضع زوجته مولودها " مهند " في الثالث عشر من آب / أغسطس عام 2012 في المستشفى العربي بنابلس ، ليبصر طفلها النور خارج السجون.
انتصار هو الأول ، شجع الآخرين ومهد الطريق ، وشكل عنواناً لمعركة جديدة ضد الاحتلال والسجان ، وانتشرت ثقافة القبول وغدت ظاهرة عمت السجون ، ليتبعه عشرات الأسرى ، منهم من سجل نجاحات مماثلة ، ومنهم من تنتظر زوجته استكمال فترة الحمل لتضع مولودها ، ومن الزوجات من ينتظرن إتمام الإجراءات الطبية لإجراء عملية التلقيح.
وثقافة تهريب " النطف " انتشرت ولاقت تأييداً واسعاً ، وقبولاً اجتماعياً ، والانتصارات تكررت ، وتجربة تهريب الأسرى لحيواناتهم المنوية وإجراء عملية زراعة وإنجاب الأطفال استنسخ منها عشرات التجارب ، لتشكل ظاهرة ملموسة وثورة بيولوجية وإنسانية داخل السجون ومعركة جديدة ضد السجان من أجل الحياة .
ولم يعد الانتصار فردياً ، وإنما صار جماعياً ، والكل يسير نحو تعميم التجربة والانتقال من الانتصار الفردي إلى الانتصارات الجماعية وانتزاع لـحق سلبته إدارة السجون الإسرائيلية ، و أقرته المواثيق الدولية وكفلته الشريعة الإسلامية.
" إسرائيل " لم يرق لها هذا العمل الذي يُنظر له فلسطينياً على أنه انتصار ، وأرادت إحباط الفكرة والقضاء على الظاهرة ، فاتخذت إجراءات عقابية ، فردية وجماعية ، بحق الأسرى داخل السجون ، فيما الأخطر اتخاذها إجراءات تعسفية وخطوات عنصرية وغير أخلاقية بحق الأطفال المولودين من نطف مهربة لأسرى فلسطينيين .
وهي لا تريد الاعتراف بهم ، وتعتبرهم أطفال " غير شرعيين " ، وترفض تسجيلهم ضمن السجل المدني كمواليد جدد .
و إدارة السجون الإسرائيلية هي الأخرى لديها قرار بعدم الاعتراف بأبوة النطف المهربة، و تمنعهم من الزيارات ولا تسمح بدخولهم كي يراهم آبائهم.
وهي بذلك تُصر كعادتها على مصادرة أبسط حقوق الأطفال عموماً وحديثي الولادة خصوصاً ، تلك الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية للأطفال كافة بمن فيهم غير الشرعيّين ، لا سيما في الفقرة الثانية من المادّة الخامسة والعشرين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان( 1948 )، وفي المبدأ الأوّل من إعلان حقوق الطّفل (1959) م، وكذلك الفقرة الأولى من المادّة الثانية اتّفاقيّة حقوق الطّفل (1989) م.
إسرائيل تواصل معاقبتها للأطفال الشرعيين وتفرض عليهم وعلى آبائهم وأمهاتهم إجراءات مشددة ، وعقوبات تعسفية وغير أخلاقية تستدعي تدخل جدي وتحرك قانوني ، بما يكفل للأسرى حقهم ، وللأطفال حمايتهم وعدم الإساءة لهم.