إسرائيل والجمع بين الايدولوجيا والسلام ..!

بقلم: هاني العقاد

حكام إسرائيل وبعض الأحزاب الدينية الصهيونية الأخرى التي يهيمن عليها الحزب الحاكم بزعامة اليمين المتطرف تريد تحويل إسرائيل لدولة أيدلوجية من خلال تحويل دولتهم إلى كيان يهودي كبير مائة بالمائة وتريد مع هذا التحول أن يصنعوا كيانا يهوديا كاملا خالي من أي ديانات أخري ,وبالتالي لا مكان لأي مساجد أو كنائس أو أي دور عبادة غير تلك اليهودية الصرفة على أرض محتلة وبالتالي خالي من أي قوميات أخري,وهذا الكيان لا ولن يصنع سلاما حقيقيا مع العرب ولن يعيد الحقوق التي اغتصبت وتغتصب لان تحول إسرائيل الأيدلوجي سيؤدي إلى إبقاء النزاع والصراع واستدامته وتعقد أوجهه دون الاكتراث باستقرار المنطقة وإنهاء الصراع التاريخي ومع هذا التحول فإن حكام إسرائيل المتطرفين اليوم يريدوا الجمع بين السلام والتطرف وبين السلام والاحتلال وبين السلام واغتصاب الحقوق ,وبين السلام والموت والدمار والاستيطان والتهويد وهذا يستحيل أن يقبل به احد أو يتعايش في ظله أحد .
أن كانت إسرائيل تفاوض لتحقق هذا الهدف فإن مفاوضات إسرائيل مجرد محاولات ميئوس منها لان احد من العرب أو الفلسطينيين يستطيع تحمل تبعات الاعتراف بكيانهم اليهودي ويستطيع إقناع نفس واحدة من الأمة العربية بأن اعتراف العرب بيهودية إسرائيل فيه مصلحة للعرب ,بل العكس لابد من توضيح الشرط الإسرائيلي للسلام وهو الاعتراف بيهودية كيانهم حتى لو حال الشرط دون تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط وغامر ساسة إسرائيل ببقاء شرطهم دون تغيير فان السلام مقابل يهودية الدولة يعتبر تنازل وتحول يغير من أسس إستراتيجية السلام العربية التي قامت منذ كامب ديفيد أي اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل على أساس الأرض مقابل السلام, وأساس السلام مع إسرائيل هو أيضا قائم على بنود مبادرة السلام العربية 2002 ومرجعياته كافة قرارات الأمم المتحدة بدا من 181 و 194 و 338 , وأي تغيير في هذا الأساس أو المرجعيات فان السلام الموعود سيتحول إلى صراع أيدلوجي جديد تظهر فيه إسرائيل أن الديانة اليهودية مهددة من قبل المسلمين في الشرق الأوسط لأنها ديانة أقليات ,وبالتالي سينشب صراع اكبر من الصراع الحالي على الأرض لان كافة الأماكن التاريخية الإسلامية ستصبح مهددة من قبل اليهود الذين يحاولون منذ فترة طويلة تأسيس أماكن دينية مزعومة تقوم على أنقاض المسجد الأقصى في القدس والمسجد الإبراهيمي في الخليل وقبر يوسف في نابلس وبعض كنائس بيت لحم .
أن تغير أسس السلام من السلام مقابل الأرض إلى السلام مقابل الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل يعتبر من اخطر التحولات الإستراتيجية في مسيرة صنع السلام لان الاعتراف هنا سيدمر أفاق التوصل إلى سلام عادل وشامل وستحدث معه نكبة جديدة تقضي بطرد الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين داخل حدود الدولة المزعومة واستبدالهم باليهود , وهذا يعني أن أكثر من مليون ونصف فلسطيني سيطردون ويتم الاستيلاء على أرضهم وبيوتهم ومزارعهم وتاريخهم الإنساني , وهذا يعني أن الصراع تعقد وتحول إلى صراع ديني بالشكل والمضمون سيترتب علية تغير استراتيجي في الهياكل السياسية بالعالم العربي أيضا, وهذا يعني إن حق العودة الذي اقره القرار الاممي 194 أصبح لاغيا وبالتالي لا يحق للفلسطينيين العودة لديارهم التي اغتصبتها إسرائيل لان ديارهم تم الاعتراف بها كأرض يهودية , ومع الاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية فإن الاعتراف أكد على حق اليهود التاريخي في فلسطين وهذا مناف للحقيقة والتاريخ ومناف لأي تصور سلمي في المستقبل فلن يقوم سلام بين العرب واليهود ولن يحدث أي تطبيع ما دام اليهود ميزوا أنفسهم بديانتهم ليتمك إلغاء قرارات 194 و181 .
إن جهود إسرائيل على الأرض للجمع بين الايدولوجيا القائمة على يهودية كيانهم وكراهية العرب و المسلمين والسلام هذا مستحيل وإهدار فرصة كبيرة لصنع السلام العادل والحقيقي والتأكيد على عدم رغبتها في إعادة الحقوق التي اغتصبتها منذ أن اغتصبت الأرض الفلسطينية وإصرارها اليوم الجمع بين الايدولوجيا والسلام يعني أنها تسير نحو صراع أخر أكثر تعقيدا وأكثر ضراوة لأنه لا يمكن لها أن تعيش في سلام لاستحالة الجمع بين الايدولوجيا المتطرفة والسلام في آن واحد, فعلى إسرائيل اليوم أن تختار بين كيان يهودي يستمر في اغتصاب ما تبقي من حقوق الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين يحرمهم من مقدساتهم واستمرار هذا السعي يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة كلها ,وأما دولة إسرائيل التي تعترف بفلسطين دولة مستقلة عاصمتها القدس, ودولة إسرائيل التي تقبل كل الديانات وكل القوميات وتكون دولة ديمقراطية حقيقية متسامحة تعيش بسلام بين جيرانها العرب وترتبط معهم بعلاقات اقتصادية وتبادل تجاري وسياحي واسع.
[email protected]