في ذكرى الحكيم

بقلم: راسم عبيدات

ثمة سؤال يلح علي بقوة،ماذا لو كان الحكيم حياً،وشاهداً على ما وصلنا إليه عربياً وفلسطينياً من حالة انهيار وضعف وذل وإنكسار وإنحطاط،ماذا عساه ان يقول..؟؟؟ عندما يختزل الوطن في كانتونات ومعازل،ويتعرض لأبشع عملية تصفية للحقوق والثوابت لا لاجئين ولا قدس ولا سيطرة على حدود ومعابر وسماء،والمأساة هنا ان البعض فلسطينياً ما زال يمني النفس بحلب الثور،أو الحصول على دبس من قفا النمس،وكأنه يعاند الحقائق والوقائع على الأرض،وتصاعد مخططات التهويد والأسرلة وتغول وتوحش الإستيطان،ليست كافية لكي تزيل الغشاوة عن عينيه،فهو يتعامل مع الأمور وفق منطق "‘عنزة ولو طارت"،وعربيا إستبشرنا خيرا ب"الثورات" وما يسمى ب"الربيع العربي" لكي نكتشف ونصحو على أنها ليست سوى مخططات جديدة إستعمارية تشارك فيه قوى عربية وإقليمية من أجل إقامة سايكس- بيكو جديد،يقسم ويذرر المنطقة العربية ويفككها ويعيد تركيبها على أسس مذهبية وطائفية ووفق الثروات وليس الجغرافيا،والأخطر هنا ما جلبته تلك"الثورات" من أفكار وجماعات تعاني من تشوهات ليس فقط فكرية،بل هي في نهجها وتصرفاتها وسلوكها أقرب إلى الوحشية البشرية في مرحلة المشاعيات البدائية،وكذلك أفكارها قائمة على القتل البربري والوحشي،وممارسة كل ما هو ضد الحضارة والإنسانية والتمسح بالدين،وكأن تلك الجماعات كرموسوماتها وجيناتها البشرية أقرب الى الوحوش والحيوانات البرية.
يا حكيم أنت من قلت بأن صراعنا مع المحتل صراع وجود وليس حدود،وهذا الصراع قد يمتد لمئة عام،وعلى قصار النفس ان يتنحوا جانباً،ولكن يا حكيم،هو زمن قحط وجدب،وكأن فلسطين باتت عاقراً،قصار النفس لم يتنحوا جانباً،وهم يتسيدون ويتصدرون المشهد الفلسطيني،وينطقون زوراً باسم الثورة والشعب،إنهض يا حكيم،تمرد على موتك السرمدي الأبدي،فالثورة والفصائل يزنا فيها،وقيادتها تختطف
الثورة لم تعد ثورة يا حكيم وكذلك هم الثوار أفرغوا من محتواهم الوطني والكفاحي والنضالي،واصبح هم الكثيرين منهم الرتب والرواتب والأوسمة والنياشين،ولم يبق منهم ثائراً إلا من رحم ربي،ومشروعك القومي الحالم يتعرض للذبح،على أيدي المتأسلمين الجدد،وعلي يد مشيخات نفط وكاز وغاز،اصبحت تنطق زوراً بالديمقراطية وحقوق الإنسان وتداول السلطة،وهي في بلدانها تجلد وتسجن وتشنق كل من يهمس وليس ينادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان،وكذلك هي على عرشها خالدة مخلدة،لا ينزلها او يغيبها عن عروشها سوى الموت،وحتى الخرف والعته والجنون،ليست من الأسباب الموجبة لتخليها عن العرش،وتصور يا حكيم وزير خارجية الدولة الوهابية التكفيرية،يفتي ويتحدث عن الديمقراطية وتداول السلطة؟؟، وهو لم ينتخب ومتربع على عرش الوزارة منذ أكثر من (38) عاماً،أليس هذا قمة الوقاحة و"التعهير"للديمقراطية والقيم وحقوق الإنسان؟،وكذلك هو حال الحالمين بالخلافة في انقرة على حساب الجغرافيا والدم العربي،يريدون ان يمحو كل هذا الأرث والتراث العظيم،لأمة عظيمة كان لها مجدها وعزها وكرامتها على الخارطتين الإقليمية والدولية،يمارسون الدعارة السياسية ولا يتورعون عن إرتكاب الجرائم والقتل والتدمير في سبيل السلطة،فهم طلاب سلطة وليسوا طلاب شهادة،لا يتورعون عن الكذب والدجل وإصدار الفتاو والتشريعات،غير المستمدة لا من السنة ولا من القرآن والتي طالما تستروا فيها،وأستغلوها من اجل مآربهم ومصالحهم وتشبثهم بالسلطة،ونصبوا من انفسهم أولياء الله على الأرض يمنحون صكوك الإيمان والغفران لم يشاؤون ويمنعونها عن ما يشاؤون،وهم أبعد عن الإيمان والدين.
كانت قبلتك فلسطين وليس غير فلسطين،كانت لديك رؤيا ثاقبة وإيماناً عميقاً بالشعب والثورة وبالوحدة العربية والقومية،كنت النموذج والمثال الصلب والعنيد،المتجذر في إنتمائه وقناعاته،لا تخشى في الحق لومة لائم ،وكنت تقول كلمة الحق عند أكبر سلطان جائر،ترفض أن يسجل في تاريخك الثوري،انك في يوم من الأيام،أوغلت في الدم الفلسطيني،او تجاوزت المحرمات والثوابت،ولكن هناك من آتى ليغول في الدم الفلسطيني ويتجاوز كل الخطوط الحمراء،ويتنكر لكل الثوابت والمنجزات،وليتسلق على كل نضالات وتضحيات شعبنا الفلسطيني العظيم،كنت تجاهد وتناضل من أجل وطن عربي اشتراكي حر،يتساوى فيه كل أبناء الوطن في الحقوق،وتوزع الثروات بين أبنائه بالعدالة،ويقضى على الفقر والجوع والتخلف والأمية فيه،وتسوده قيم ومبادىء الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية وتصان فيه الكرامات الشخصية والعامة.
واليوم يا حكيم لم تعد فلسطين لا قبلة من يدعون الثورة والنضال والجهاد،بل فرغوا الجهاد الحقيقي من معانيه ومضامينه وعطلوه في فلسطين وكل البلدان العربية المحتلة والمغتصبة،وحرفوه وأوجدوا بدلاً منه جهاد النكاح وطلب الحور العين في طرابلس وبغداد والشام وقاهرة المعز.
اليوم يا حكيم يطارد الثائر والمناضل،والفاسد يحاكم الشريف،والتطبيع أصبح شكلاً من أشكال"النضال" ومحاربته شكلاً من أشكال التطرف والعدمية،والتنسيق الأمني "مصلحة" فلسطينية.
المنظمة يا حكيم لم تعد هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا،هناك من جوفها،وأفسد مؤسساتها وسطا على قراراتها،وأصبحت خاوية،لا تحترم لا هيئاتها ولا قرارات مؤسساتها،ولم يحدث أي إصلاح فيها او إعادة بناء لها على أسس ديمقراطية،لكي تستوعب كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني،عضوية مؤسساتها معومة لا تعرف من هم أعضاؤها،وحتى هيئتها الأولى،أصبحت قرارتها لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به.
الفصائل يا حكيم ضاعت الفواصل والتخوم بين فصائلها،ولم تعد تعرف هويتها لا السياسية ولا الفكرية،تغلغلت منظمات "الأنجزة" و"التكنوقراط" في قياداتها،ولم تعد تعرف هذا القائد لأي حزب ينتمي،فتجد احياناً مدعياً لليسار على يمين اليمين ويميناً على يسار اليسار.
أصحاب الجمل الثورية اللفظية يا حكيم يتزايدون وينمون كما هي الطحالب في المياه الآسنة،وأدعياء البطولات الوهمية هم كذلك.
واليسار الفلسطيني الذي كنت واحداً من اهم المعاول في بنائه وإقامته،ما زال يا حكيم نخبوياً فوقياً،قياداته تصرخ اكثر مما تفعل،والعديد منها منعزلة عن الجماهير،هي بحاجة لثورة في الثورة،والعمود الفقري للمنظمة والثورة إشكالاته كثيرة ومتعددة وعميقة،بتعدد محاوره وجهويته ومناطقيته.
أما جماعات الإسلام السياسي،فهي ركبت موجة المقاومة،وعندما وصلت للسلطة لجمت ومنعت كل مقاوم.
مشهد محزن يا حكيم،ولكن يبقى الأمل في هذا الشعب العظيم المناضل والمكافح والمضحي،والذي لا بد ان تولد من رحم المعاناة والنضال قيادة تكون بحجم نضالاته وتضحياته.

القدس – فلسطين
26/1/2014
0524533879
[email protected]